ابتسامة تشعل غضب الجمهوريين

TT

القاضية سونيا سوتومايور، مرشحة الرئيس الأميركي باراك أوباما، لرئاسة المحكمة العليا، امرأة بارعة ومعتزة بنفسها ذات الأصول اللاتينية. ويبدو أن هذه الحقيقة دفعت بعض الجمهوريين المرموقين إلى حالة من الغضب المندفع.

وقال نيوت غنغريتش، رئيس مجلس النواب الأميركي الأسبق مؤخرا علي موقع تويتر غاضبا: «يجب أن يجبر مرشح الرجل الأبيض العنصري علي الانسحاب، كما يجب أن تنسحب المرشحة اللاتينية العنصرية كذلك».

كانت ردة الفعل الأولى، أنه لا يجب ترك السياسيين فوق سن معينة وحدهم في منطقة محفوفة بالمخاطر داخل شبكة العلاقات الاجتماعية. والخاطر الثاني الذي تداعى إلى ذهني كان: توقف نيوت، لم كل ذلك؟

وجأر كذلك راش ليمبو، بالغضب ـ كما هو متوقع ـ قائلا إن سوتومايور «عنصرية»، وكذلك الرئيس أوباما. ولكن على خلاف غنغريتش فإن ليمبو، لا يريد أن يؤخذ على محمل الجد، فهو يريد أن يتلقى راتبه فقط.

وتأتي موجة الغضب التي اجتاحت غنغريتش، كردة فعل على اقتباس من خطاب لسوتومايور، في عام 2001 مقتطعا من سياقه، وانتشر علي نطاق واسع، حيث كانت تتحدث فيه حول احتمالية أن تؤثر هويتها في قراراتها كقاضية فيدرالية، أو انتفاء تلك الاحتمالية. وكان الخطاب الذي ألقته سوتومايور، في الحقيقة بعيدا كل البعد عن كونه خطابا عنصريا، بل إنه كان في الواقع خطابا تأمليا حول تجربة سوتومايور الشخصية حيال الحقيقية العالمية: ما نكون يؤثر وجوبا على ما نفعله. فكل منا يكتسب خلال حياته مجموعة فريدة من الخبرات. وكانت خبرات سوتومايور، خبرات امرأة ذات أصول لاتينية ذكية وقوية. فهي نشأت في أحياء نيويورك الفقيرة، حيث تربت في مشروعات برونكس، ولكنها استطاعت أن تتخرج بتفوق في برينسيتون، وعملت كرئيسة لتحرير « Yale Law Journal» وكمدعى عام في مانهاتن، ثم كمحامية شركات قبل أن تنخرط في العمل على مدار 17 عاما كقاضية فيدرالية وفي محاكم الاستئناف.

وبوجود تلك السيدة ذات السيرة الذاتية المشرفة، والخبرة الواسعة في القضاء الفيدرالي، التي تفوق أي مرشح لمنصب رئاسة المحكمة العليا من مائة عام على الأقل ـ كما يصفها مستشار الرئاسة ديفيد اكسيلورد ـ فإنه يصبح مفهوما أن يتشبث الجمهوريون أكثر بانتقاداتهم.

والتهمة التي توجه إليها بأنها «ناشطة قضائية» ليس لها أي أساس من الصحة في سجلها الطويل. فمنتقدوها يعتمدون على حكم شاركت في إصداره في قضية أطلق عليها «ريكي ضد ديستيفان» تتعلق بمزاعم بالتفرقة العنصرية، أطلقها مجموعة من رجال الإطفاء البيض في نيو هافن بكونتيكت، واعتبر البعض موقف سوتومايور، في تلك القضية نموذجا للقضاء المتشدد.

بدأت القصة حين فرضت المدينة علي رجال الإطفاء الخضوع لاختبار قبل الحصول علي الترقيات الجديدة، ولم يتمكن أي أميركي من أصول أفريقية من اجتياز تلك الاختبارات. وخوفا من أن تخسر المدينة أرضا في جهودها التي تبذلها للحفاظ علي التنوع في قيادات قسم مكافحة الحرائق، وخوفا من أن ترفع عليها قضية حقوق مدنية فإن المدينة ألغت ذلك الاختبار. ولم يحصل رجال الإطفاء الذين اجتازوا ذلك الاختبار علي الترقيات التي كانوا يتوقعونها. وحكم قاضي أميركي بمحكمة المقاطعة بأن حكومة المدينة تصرفت في نطاق القانون وصدقت علي ذلك الحكم هيئة من محكمة الاستئناف بالدائرة الثانية تتضمن سوتومايور.

ولكن ما لا يفهمه مهاجمو سوتومايور، أو ما لا يعترفون به هو أن القضية أمام المحكمة لم تكن تتعلق بما إذا كانت مدينة نيوهافن كانت عادلة في إلغائها للاختبار أم لا، بل كانت تتعلق بمدى قانونية ذلك القرار.

وهناك سوابق كثيرة تشير إلى أن ذلك القرار كان في الحقيقة قرارا قانونيا. وأعتقد أن مسألة التشدد القضائي كانت متعلقة بأننا لم نرغب في أن يخبر القضاة غير المنتخبين المسؤولين المنتخبين بما يجب عليهم فعله. وأعتقد أن الفكرة المحافظة هي أنه علي القضاة أن يتخذوا قرارا وهو ما فعلته سوتومايور، وزملاؤها تماما. ولكن هناك دائما ما بين السطور، فمثل خطبة سوتومايور، في عام 2001 فإن قضية نيوهافن كانت تدور حقا حول الهوية والسلطة. وفي كلا المثالين، فإن منتقدي سوتومايور، كانوا يرون ذلك، فالأقليات يسعون أو يحصلون علي بعض المميزات علي حساب الذكور البيض. وبغض النظر عما إذا كانت تلك الرؤية لها أي أساس من الصحة أم لا، فإن ذلك الطرح يبدو كافيا لنزع فتيل الأزمة.

وعلى الرغم من جهود غنغريتش، ليمبو وغيرهم المضنية، فإن عملية تولي سوتومايور للمنصب لن تكون لها علاقة بمسألة العرق. فقدراتها لا تشوبها شائبة، وسجلها معتدل تماما وشخصيتها وفقا لما يقوله زملاؤها ساحرة. وفي جلسات التصديق علي ترشيحها، سيكون لديها الفرصة لوضع الأقوال التي اقتبسوها عنها واستغلوها في سياقها الصحيح. وعلي بعد إحدى عشرة ساعة من المفاجأة، فإنني لا أستطيع أن أتخيل أن معارضيها في مجلس الشيوخ سيصبحون قادرين علي رفع إصبع في وجهها.

ولا أستطيع كذلك أن أتخيل أنها سوف تتقمص أي شخصية أخرى سوى شخصيتها. فطالما أوضحت سونيا سوتومايور، أنها فخورة بهويتها، وعرضت ذلك الفخر ليس كتحد ولكن كمثال يحتذى، فهي ليست بيضاء وليست رجلا، وليست من أصول إنجليزية، ولكن ليس لديها ما تعتذر عنه.

سوتومايور هي الوجه الجديد لأميركا ولها ابتسامة أخاذة.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»