عنّها ما كانت من عشوه

TT

في هذا اليوم أخذت على عاتقي أن أعتق أهل بيتي من الطبخ والنفخ و(الزمر) كذلك، وأن أكون رجلا عمليا، وخصوصا أنني في يوم الجمعة من الأسبوع، فعزمت أن أريح أهل البيت، ولا شك أنه سوف يكتب لي أجر إن شاء الله عند رب السماوات والأرض.

لهذا أخذت منشورا لأحد المطاعم التي تقدم الخدمة السريعة وتوصيلها إلى المنازل ـ وكثيرا ما كانت تلك المنشورات تصل إلى منزلي، ويدخلونها من تحت عقب الباب ـ.

اتصلت بأحدها وأنا لا أريد أن أذكر اسمه خشية أن يكون ذلك دعاية له (بالجودة أو الرداءة)، وقبل أن أتصل به استعرضت أصنافه التي يقدمها، وراق لي أن أختار صنفا أطلقوا عليه اسم: (وجبة دينر كومبو)، وهو عبارة بما هو مكتوب بالضبط: 3 دجاج + بطاطا + سلطة ملفوف + ببسي.

قلت بيني وبين نفسي وأنا أفرك يدي: (بسم الله)، واتصلت على رقم المطعم، ورد علي أحدهم، فطلبت منه ذلك الطلب تحديدا، وكان الرجل لطيفا، وأنا استلطفته أكثر عندما قال لي: أهلا يا باشا، وأعطيته العنوان ورقم التلفون، وعندما سألته عن الثمن قال لي (16) ريالا، وقبل أن أضع السماعة سألني هل تريده حارا أم عاديا؟!، قلت له: عادي، ثم أردف قائلا: ما رأيك أن تطلب معاه (كوز ذرة بالزبدة)، وسوف تأكل (صوابعك) وراه، وبما أنه وصفني (بالباشا) فلم أرِد أن أكسر له اقتراحا، فقلت له: ماشي، فقال لي: إذن الحساب سوف يكون (25) ريالا لأن كوز الذرة بستة ريالات + 3 خدمة توصيل، فقلت له وأنا أضحك، برضه ماشي يا أفندم.

وبعد ما يقارب من النصف ساعة وصلني الطلب، فوضعته أمامي على الطاولة، وشمرت عن أكمامي، وتفاجأت أن الثلاث قطع من الدجاجة عبارة عن الفخذ، والورك، وجناح واحد، وأنا دائما وأبدا أحب الصدر حبا جما، وممكن أن أتقبل الفخذ نوعا ما، إنما الورك فبيني وبينه حد الله، لا أطيق أكله ولا حتى النظر إليه ـ يا لطيف ـ!!

أصبت بإحباط ما بعده من إحباط، والكارثة أنني بالفعل كنت جائعا، عندها قلت: ما على المضطر إلا ركوبها، فاركب يا أبو المشاعل اركب، فليس هناك أعز عليك من بطنك الذي يتضور.

أخذت أقرمش البطاطا، وأغرف من سلطة الملفوف، وأعافر بيدي لكي أفتح عبوة (الكاتشب) البلاستيكية الصغيرة، حاولت بشتى الوسائل أن أفتحها دون طائل، قلبتها يمينا وشمالا، وفوق وتحت علها تنفتح ولكنها كانت عصية وتتمزلق بين أصابعي، عندها أحكمت قبضتها بين أنيابي وجذبتها بقوة، وإذا بالكاتشب يندفع منها ويتطاير على وجهي ومنخاري والحمد لله أنه لم يدخل في عيني، غير أن ملابسي لم تسلم منه.

فزهدت بالدجاج والبطاطا والملفوف، واستقر قراري على (كوز الذرة) المدهون بالزبدة، وعنه ما كان من (كوز) فلي الآن أكثر من نصف ساعة وأنا (أنكش) بين أسناني، ولو أن واحدا منكم شاهدني الآن وأنا أكتب هذه الكلمات لشاهد عود الخلال المكسور والناشب بين أسناني، وأنا أحاول إخراجه دون جدوى.

أعتذر منكم لأنني (قرفتكم) بهذا المقال السخيف، فليس لدي اليوم ما أكتبه.

ولكن: من قال لكم إن الدنيا أحيانا غير سخيفة؟!

[email protected]