لن تصدقوا

TT

شكوت إلى خبير في الحدائق من ظهور الجرذان، فسأل، وهل عندك رمان؟ قلت عشراً مزهرات باللون الأرجواني الذي اخترعه أهل صور. قال، الرمان يجتذب الفئران. قلت وما الحل؟ قال القطط. قلت مستحيل. فأنا غائب أكثر الوقت والمنزل مغلق والقطط في حاجة إلى عناية. قال، الحل الآخر والأخير هو السم. انشر كمية منه حول جل الرمان. ولكن عليك أن تنتبه.

وخلت أنه يريد أن يحذرني من أن لنشر السم مخاطر. فقد تمر بالمكان فراشة جميلة، أو تمطر الدنيا عليه فيختلط بالتراب. أو يغط عصفور بطريق الخطأ. لكنه أوضح أن التسميم للفئران عملية شديدة التعقيد. إنها لا تخدع بسهولة، وأحيانا لا تخدع أبدا. وشرح لي أن الفئران تتمتع بروح تضامنية عجيبة وذكاء لا يصدق. ورسم المشهد التالي: عندما ترى جماعة من الفئران ـ أو تشم ـ شيئا لم تألفه من قبل، تثور مخاوفها وشكوكها. ولذلك يتبرع أحدها ـ وغالبا الأكبر سنا ـ أو يتطوع بتذوق المأكول الجديد أولا. وتنتظر المجموعة نصف ساعة كاملة لترى تأثير الطعام ـ أو الطعم ـ المجهول، فإذا سقط الفأر ميتا، انصرف الباقون إلى السلامة.

ومضى ليشرح عجائب الدنيا: وإذا حدث ووقعت المجموعة في خدعة، فلا يمكن أن تقدم السم نفسه لها مرة أخرى. لديها حاسة أو ذاكرة عجيبة. إنها لا تموت بالسم نفسه مرتين. ولذلك عليك أن تجرب في المرة التالية نوعا آخر!

شكرته بالطبع على الفائدة العلمية. أما فائدة السم نفسه، فقلت له، كيف لي وقد عرفت أن الفأر على هذا القدر من الذكاء وهذا القدر من النبل والتضحية، أن أحاول خوض معركة عبثية ضده؟ فلتبق المعركة بينه وبين أشجار الرمان. لا بد أنها أعطيت أيضا وسيلة للدفاع عن نفسها. الآن أفهم لماذا تقوم في العالم جمعيات كثيرة تطالب بوقف التجارب على الفئران. ربما تقديرا لذكائها وربما رأفة بروحها التضامنية. ويتصرف البشر عادة بعكس ذلك تماما: يضحون ببعضهم البعض، ويخونون بعضهم البعض. ويعودون إلى السم على مدى التاريخ.