مناورة حماس «السلمية»

TT

«بعيدا عن القيود الزمنية (الهدنة التي تنتهي بعد عشرة أعوام) وعدم قبول وجود إسرائيل، تضع شروط السيد خالد مشعل خطة السلام العربية». – تلك هي خطة حماس للسلام كما وصفتها «نيويورك تايمز». ربما يكون الغربيون أغبياء، ولكن حماس ليست غبية. فهي ترى الإدارة الأميركية الجديدة تتقرب من إيران وسورية. وترى أوروبا، بقيادة بريطانيا، وهي تبدأ في قبول حزب الله. وترى أنها التالية في الدور، وتعرف ما ستفعله. لقد كتب ياسر عرفات أسلوب اللعب.

في اتفاقية أوسلو عام 1993، أظهر ما يمكن تحقيقه بمعاهدة سلام زائفة مع إسرائيل ـ اهتمام دبلوماسي عالمي ومليارات الدولارات من المساعدات والسيطرة على غزة والضفة الغربية، وهما ما حولهما عرفات إلى معسكر مسلح. وفي مقابل التوقيع، أقام على الأراضي الفلسطينية طاقة تستطيع أن تشن حربا على إسرائيل بدأتها الدول العربية عام 1948، ولكنها توقفت عنها بعد حرب عام 1973.

ويرى مشعل أن هناك فرصة سانحة. ليس فقط لأن إدارة أوباما تتقرب من أعدائها السابقين في المنطقة، ولكنها بدأت فترتها بالتلويح في غضب ضد إسرائيل بسبب رفض حكومة نتنياهو المزعوم لحل الدولتين.

ومن بين جميع المعارك التي يمكن اصطناعها مع إسرائيل، لا توجد حكومة إسرائيلية يمكنها أن ترفض حل الدولتين، الذي يقبل فيه الفلسطينيون بتسوية حول الأرض وسلام حقيقي مع الدولة اليهودية. (وأي حكومة تفعل ذلك تخسر الانتخابات على الفور). وقد قدم وزير الدفاع في حكومة نتنياهو ذاتها إيهود باراك مثل هذا الاتفاق تحديدا عام 2000. بل وعرض تقسيم القدس وطرد كل يهودي من جميع المستوطنات التي تظل في فلسطين الجديدة. وكان الرد الفلسطيني (لهؤلاء الذين نسوا): لا. ولا يوجد عرض مقابل. ولكن بدلا من ذلك، بعد تسعة أسابيع، شن عرفات حربا إرهابية شعواء أسفرت عن مقتل 1000 إسرائيلي.

لا يرغب نتنياهو في الموافقة على إقامة دولة فلسطينية قبل أن يعرف نوع هذه الدولة. ويجب أن يشترك معه في ذلك الحذر الأساسي كل من كان يتمتع بالإدراك طوال الأعوام الثلاثة الماضية. لقد حصل الفلسطينيون على دولة بالفعل، أرض مستقلة لا يوجد فيها مستوطن أو جندي إسرائيلي واحد. إنها غزة. وماذا تكون غزة. إنها قاعدة إرهابية، لها طابع إسلامي، وحليفة لإيران، مسلحة وعدوانية وأطلقت ما يزيد على 10000 صاروخ وقذيفة على مدنيين إسرائيليين.

إذا كان هذا ما ستكون عليه الحال في الضفة الغربية، فسيكون من الجنون أن تقبل إسرائيل أو أميركا أو الأردن أو مصر أو أية دولة عربية معتدلة بحل الدولتين بمثل تلك الصورة. ولذلك يصر نتنياهو على أن تقيم السلطة الفلسطينية أولا مؤسسات: اجتماعية واقتصادية وعسكرية، لوضع أساس لدولة يمكنها بالفعل أن تفي بمسؤولياتها من أجل الحفاظ على السلام.

وبعيدا عن العقلانية، يجانب تشكك نتنياهو في حل الدولتين الصواب. وقد تعبد سلفه إيهود أولمرت في محراب حل الدولتين، وقدم عروضا لا تنتهي لحل إقامة الدولتين للسلطة الفلسطينية، ولكنه لم يصل إلى شيء. لماذا؟ لأن الفلسطينيين، بالعودة إلى قرار الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين لعام 1947، لم يقبلوا أبدا بفكرة الحياة جنبا إلى جنب مع الدولة اليهودية. وهؤلاء أمثال الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي ربما يريد أن يستضيف ذلك الحل، ليست لديه سلطة لفعل ذلك. وهؤلاء أمثال مشعل قائد حماس، الذي يملك السلطة، لا يجد النية لفعل ذلك على الإطلاق.

إن مناورة مشعل لإبراز الحرب الأبدية في صورة حل الدولتين تكرار لمأساة الرفض الفلسطينية. وفي تجسيد سابق لها، سكن عرفات إسرائيل وإدارة كلينتون بالحديث عن السلام، في الوقت الذي أعد فيه شعبه منهجيا من أجل الحرب. لقد انتظر عرفات سبعة أعوام من أجل تدمير سلامه الزائف. وماذا عن ابتكار مشعل؟ عشرة أعوام، ثم إراقة الدماء.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»