الهجرة الجماعية التي نسي أوباما ذكرها

TT

كان خطاب الرئيس أوباما للعالم الإسلامي حدثا تاريخيا، إذ لم يقُم رئيس أميركي شاب، يحظى بحب وإعجاب كل مواطني دولته والعالم الخارجي، من قبلُ بمد يده إلى جزء من العالم لا يمتلك سوى النزر اليسير من الأسباب للثقة فينا أو تمني الخير لنا.

وما يؤكد أهمية الزيارة عدم إقدام أوباما على تحاشي كلمات معينة، فلم يقُم رئيس أميركي من قبلُ زار المنطقة العربية بإبراز عيوبها، فقد تحدث عن الإرهاب والأسلحة النووية وحقوق الإنسان والتعليم والتنمية الاقتصادية، التي لم يحظَ العالم العربي بعلامات القبول في أي منها، حتى إن أوباما وجد الوقت لذكر المضايقات التي يتعرض لها الأقباط في مصر، وانتقاد الموجة الجديدة من منكري الهولوكوست. ولكي يظهر أنه لا يمارس لعبة الانتقاء وجّه تحذيرا لإسرائيل: لا مزيد من المستوطنات في الأراضي المحتلة، كما تحدث عن معاناة الفلسطينيين.

وعلى الرغم من حديث الرئيس بشأن «بداية جديدة بين الولايات المتحدة والمسلمين في العالم، والمبادئ المشتركة للعدالة والتقدم، فإنه أو أيا من المحيطين به، أو حتى من بين الحضور، لم يزعج نفسه بالإشارة إلى أمر واحد بسيط غاب عن ذلك الخطاب: لقد نسيني.

لم يقُل الرئيس كلمة واحدة عني، أو عما يقرب من 800,000 يهودي وُلدوا في الشرق الأوسط، وفروا من العالم العربي والإسلامي، أو الذين أُبعدوا لأنهم يهود في القرن العشرين. ومع كل ما تحدث به أوباما عن تاريخ الإسلام «وتاريخه (المثير للشك) من التسامح مع الديانات الأخرى»، لم يأتِ أوباما على ذكر أولئك اليهود الذين سكن أجدادهم المنطقة العربية حتى قبل مجيء الإسلام، ولكنهم كانوا أول ضحايا حمى القومية التي اجتاحت العالم العربي.

أضف إلى ذلك أنه لم يهتم بالقول إنه نتيجة لذلك الفرار والإبعاد نهبت الممتلكات اليهودية. ولم يذكر أوباما الممتلكات التي ما زلت أملكها في مصر، والتي لن أتمكن من استعادتها، لقد فقدت منزل والدتي ومصنع والدي في مصر وأصدقائي وكتبي وسيارتنا ودراجتي. إننا لا نُعرف بترتيب جزيئات البروتين في أجسادنا فقط، لكننا نعرف بأشياء خاصة بنا. والاستيلاء على ممتلكاتنا والأمور الأخرى يمكن أن يقتلنا، فقد أدت خسارة أبي لثروته وفقده منزله وحياته التي بناها إلى وفاته. إنه لم يمت في أعقاب ذلك مباشرة، لكن الأمر تطلب أربعة عقود من النفي لكي يلقى حتفه.

كان على أوباما أن يقول شيئا قاسيا للعالم العربي عن معاملته للمرأة، ولقد تحدث مطولا عن النقاش الأميركي عن الإسلام، لكنه فشل في تذكير مستمعيه من المصريين أنه حتى 50 عاما مضت كانت هناك أقلية يهودية كبيرة تعيش في وسطهم، أو أن الكثير من أفضل مستشفيات مصر أو مؤسساتها الأخرى أسسها أو موّلها يهود. وإنه لمن العار ألا يذكّر مستمعيه من المصريين بذلك لأن ذاكرتهم في معظم الأحوال ـ وخصوصا من هم أقل من 50 عاما ـ قد ضاع منها الإحساس بالذنب أو المسؤولية، فهم لا يملكون ذاكرة كافية لليهود.

وقد تمت إعادة تسمية كل الشوارع في الإسكندرية، مسقط رأسي وموطني، التي تحمل أسماء يهودية، كما عرضت مكتبة الإسكندرية منذ بضعة أعوام ترجمة عربية لـ«بروتوكولات حكماء صهيون»، الذي قد يعد أكثر كتاب معادٍ للسامية كتب من قبل، وللعلم، فإنه لا يوجد سوى أربعة يهود فقط يعيشون في الإسكندرية.

وعندما يموت آخر يهودي فإن المعابد والمقتنيات الدينية والكتب التي كانت ملكا للأقلية اليهودية في الإسكندرية ستؤول إلى الحكومة المصرية وليس إلي أو إلى أطفالي أو ذلك العدد الذي لا يحصى من اليهود ذوي الأصول المصرية.

إنه لأمر غريب أن يمحو رئيسنا، الذي يعلم التاريخ جيدا، والذي تعهد بقول الحقيقة، وأن يتغاضى عن ذكر اليهود ذوي الأصول المصرية. فإما أن الرئيس قد نسي، أو أنه لم يعلم، أو أنه اعتقد أن الأمر غير ملائم للمناسبة. لكن حديثه عن الجهود المشتركة والبحث عن أسس مشتركة واحترام كرامة كل البشر دون ذكر الأشخاص مثلي سيكون كالحديث إلى سكان برلين عن مستقبل ألمانيا، ونسيان ذكر أمر صغير يدعى الحرب العالمية الثانية.

*بروفسور في الأدب المقارن بنيويورك غراديويت سنتر في جامعة سيتي.. ومؤلف كتاب «اخرجوا من مصر»

*خدمة «نيويورك تايمز»