«للصدر» حدود!

TT

ما هو حجم الفجوة الموجودة بين جيل الشباب وجيل الراشدين في العالم العربي؟ يبدو أنها كبيرة جدا. اكتشفت ذلك شخصيا وبصورة عملية في جلسة جمعتني مع بعض الأصدقاء وأبنائهم، ومن خلال الحديث حاول أحد الأصدقاء أن يضفي روح المرح على الجلسة باستشهاده ببعض تعليقات و«قفشات» عادل إمام من رائعته، مسرحية «مدرسة المشاغبين»، ولكن المشهد كان حزينا حين تبين أن جيل الشباب لم يتجاوب أو يبتسم لأنه «لم يفهم» النكتة ولم يتعرف إلى «مدرسة المشاغبين» والتعليقات الخاصة بها.

وبدأ في محاولات أخرى بالاستشهاد بغوار الطوشي أو أبو عواد أو أبو مسامح وغيرهم من رموز الكوميديا، وتغنى بعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش وطلال مداح وأيضا لم «تسجل» شيئا في ذاكرتهم، ودخلنا في جدل بعدها عن اهتمامات الجيلين وكيف يمكن أن تكون هناك لغة مشتركة بينهما.. جيل كان يجل الطيب صالح وطه حسين ومصطفى الرفاعي ويتابع الأزهر والقيروان والزيتونة، وله التقدير للـ«بي بي سي» و«التايمز»، والآن بات لـ «غوغل» و«فيس بوك» و«تويتر» و«إل إم تي في» و«أوبرا» وقع أهم وأبلغ وأعمق. هناك اختلاف في الأولويات واضح، فتيان كان همهم الأول تطوير مستويات معدلات محصلاتهم التعليمية من 80% إلى 95% مثلا لدخول كليات القمة والمحاولة بعد التخرج لدخول مجالات عمل مميزة توفر لهم فرص العيش بكرامة واحترام وأمان، والآن تحولت النظرة لتصبح التركيز على «تطوير» الصدر من 34A إلى 38D وهي كلها أرقام ولكنها ليست كالأرقام. ويكفي أن يراجع أي متابع موضوعي حجم عمليات التجميل ومصاريفها في العالم العربي والتي ترتفع سنويا بنسب تفوق الـ 200%، وأكثر من 60% لها علاقة بتكبير الصدر!

جيل جديد، أكثر من 60% من تعداد سكان العالم العربي أولوياتهم مختلفة ولغتهم مختلفة ومرجعياتهم الثقافية مختلفة ودرجة التركيز والانتباه لا تتخطى الدقائق المعدودة فقط. لا مجال لديهم للدخول في التفاصيل لأن «لا خلق لهم» ولكنه جيل مؤثر، فهو غيّر مذاق شراء السيارات وحولها للسيارات الأصغر، وحول مذاق شراء العقار وأسلوب الأزياء وألوانها وكذلك التصاميم الجريئة في كافة المجالات. وهم سيكونون نواة تغيير أساليب التعلم والتعليم ولن يكون بعيدا أن يكون التعليم بالهاتف والجوال والكمبيوتر المحمول والمواقع المختلفة هي «كتاتيب» العصر الرقمي الجديد. إنه جيل لا يعترف بالإرث القديم ولا بالأفكار الثابتة والأهم أنه لا يعترف بالحدود ولا بالمؤسسات الثابتة، وهو ينتمي لأجيال ومجموعات افتراضية عابرة للثقافات والحدود والقارات والبحار ويربطهم جميعا وحدات مشتركة جديدة. هي أوطان «موجودة» فعلا وجنسيتها يشترط فيها الانضمام والتواصل. أوطان الـ«إم تي في» والـ«ستاربكس» والـ«فيس بوك» وغيرها، هي نواة الأمم المتحدة العصرية الجديدة.

الصرف على «سعة» الصدر شيء وتأمين الأخبار الموسعة للصدور شيء آخر. وحتى نعي الفرق بين الاثنين استمروا في تواصل الذهول مما نقرأ ونشاهد، وسلامتكم!

[email protected]