خيارات صعبة أمام الفائز في الانتخابات الإيرانية

TT

يتوجه الإيرانيون اليوم إلى صناديق الاقتراع لتقرير مصير محمود أحمدي نجاد السياسي، الرجل الذي تولى رئاسة البلاد على امتداد السنوات الأربع الماضية. وتتسم هذه التجربة الإيرانية بطابع شديد الخصوصية نظرا لأنها تحمل إمكانية حدوث أي شيء، فمن الممكن أن يحرز أحمدي نجاد نصرا كاسحا، وربما يخفق في الحصول على عدد كاف من الأصوات يتجاوز 50%، وربما يجبر على خوض جولة ثانية في مواجهة منافسه الرئيس. بل ويعتقد بعض المحللين أن الانتخابات ربما تسفر عن هزيمة أحمدي نجاد في الجولة الأولى.

بغض النظر عمن يحرز الفوز اليوم، تبدو الجمهورية الإسلامية على أعتاب دخول مرحلة جديدة من تاريخها المضطرب. وبغض النظر عمن سيفوز اليوم، فإنه سيجابه مشهدا سياسيا مغايرا تماما.

وتتمثل أبرز ملامح هذا المشهد الجديد في الانقسامات العميقة التي قفزت إلى السطح داخل المؤسسة الحاكمة. ويرجع تاريخ بعض هذه الانقسامات إلى سنوات عديدة ماضية، بل وربما الأيام الأولى من عمر الثورة. إلا أنه على مر السنوات جرى إخفاؤها أو على الأقل الحد منها بأقصى درجة ممكنة بفضل أسلوب «التقية».

ويكمن الاختلاف القائم الآن في أن أحمدي نجاد تسبب في طرح هذه الانقسامات على العلن، ولم يترك سوى مساحة ضئيلة لممارسة «التقية» و«التعارف» (ta"aruf).

خلال المناظرات المرتبطة بالانتخابات الرئاسية التي أذيعت في بث مباشر على شاشات التلفزيون، صور أحمدي نجاد فترتي رئاسة كل من هاشمي رافسنجاني ومحمد خاتمي كفترة ضبابية عمد خلالها عدد ضئيل من الملالي وأعوانهم بمجال النشاط التجاري إلى «نهب» البلاد. كما اتهمهما بالتضحية بالمصالح القومية الكبرى مقابل إيماءات لا قيمة لها توحي بالصداقة من جانب «القوى الإمبريالية». ومع انتهاء الانتخابات، يبدو واضحا أنه بغض النظر عمن سيتولى الرئاسة فإنه سيجابه مهمة صعبة تتمثل في إما تطهير النظام من مظاهر الفساد المزعوم، وربما العناصر الخائنة، أو دحض اتهامات أحمدي نجاد والسعي لاستعادة الوحدة بصفوف العصبة الحاكمة.

أما المهمة الثانية أمام الفائز بالرئاسة فربما تنطوي على صعوبة أكبر، وهي إقناع الشعب بأن هذه النخبة المنقسمة على نفسها بشدة قادرة على قيادة البلاد في مثل هذه الفترات الحرجة. جدير بالذكر أنه خلال الحملة الانتخابية، كرس المرشحون الأربعة، الذين حظوا بموافقة السلطات الرسمية، الجزء الأكبر من وقتهم إلى الحط من قدر بعضهم البعض بدلا من طرح استراتيجية للحكومة القادمة جديرة بالاعتماد عليها. والواضح أن المرشحين الأربعة تخصصوا في توجيه الإهانات اللفظية وإلقاء اللوم على كاهل بعضهم البعض، وهي مهارات ربما تكون مفيدة في التعامل مع نزاع بأحد الأسواق، لكنها لا تجدي نفعا في إدارة دولة. وأمام الفائز مهمة ثالثة تتمثل في مراجعة السياسة الخارجية التي أودت بالبلاد إلى حالة تعاني خلالها من عزلة دبلوماسية وعقوبات من جانب الأمم المتحدة وتهديدات بالحرب. من جهتها، تبدي الولايات المتحدة، بقيادة رئيسها الجديد، باراك حسين أوباما، ميلا للدخول في حوار مع الجمهورية الإسلامية. والملاحظ أنه خلال الخطاب الذي ألقاه في القاهرة، ألمح أوباما إلى اعترافه بحق الجمهورية الإسلامية في السعي لامتلاك أسلحة نووية، حيث أعلن «ليس من حق أي دولة تقرير الدول التي بإمكانها امتلاك أسلحة نووية». ومنذ ذلك الحين، يحاول أوباما ووزيرة خارجيته، هيلاري كلينتون، إعادة صياغة القضية النووية الإيرانية بحيث يجري التعامل معها ليس كمشكلة في حد ذاتها، وإنما باعتبار أنها قد تثير «سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط».

وتكشف الانتخابات الأخيرة في باكستان والعراق والكويت ولبنان أن منحنى مد التيارات الإسلامية الراديكالية بدأ في الهبوط. إلا أن صياغة سياسة على أمل أن إيران بمقدورها الظهور كزعيمة لـ«تسونامي» التيارات الإسلامية الجديد، أمر ينطوي على سذاجة وخطورة.

تدور التساؤلات القائمة حاليا حول ما إذا كان ينبغي أن تتجاهل الجمهورية الإسلامية هذه التطورات الكبرى وتمضي قدما في الاستراتيجية التي وضعها أحمدي نجاد لإثارة صدام بين الحضارات؟ أو هل ينبغي أن ترحب طهران بالتراجع الأميركي وتساعد أوباما على تغطية سياسة الاسترضاء التي ينتهجها بمظهر خادع من الدبلوماسية؟ وتعد تلك المعضلة الكبرى على صعيد السياسة الخارجية التي سيتعين على الرئيس الإيراني الجديد دراستها بتمعن.

ثم ننتقل إلى المهمة الرابعة أمام الفائز في الانتخابات الرئاسية الإيرانية وهي صياغة سياسة ملحة للتوافق مع خطر تعرض البلاد لأزمة اقتصادية. جدير بالذكر أنه نظرا لتمتعها بقدر من الحماية من قبل الثروة التي حصدتها خلال الفترة الوجيزة التي شهدت ارتفاع أسعار النفط، لم تتأثر إيران على نحو كامل بعد بتداعيات الركود الاقتصادي العالمي. ومع ذلك، تشير معظم المؤشرات الاقتصادية بالبلاد إلى الاتجاه السالب.

وطبقا للأرقام الصادرة عن وزارة العمل، فإن 1000 شخص في المتوسط يفقدون وظائفهم يوميا. ورغم التراجع الأخير، لا تزال معدلات التضخم مرتفعة وتتراوح بين حوالي 18% إلى 19%. وفي الوقت الذي يحتاج الاقتصاد الإيراني إلى تحقيق معدل نمو سنوي يبلغ 5% كحد أدنى كي يتمكن من الاستمرار، تشير الاحتمالات إلى أنه قد يمنى بنمو اقتصادي بالسالب العام المقبل.

وأخيرا، سيتعين على الفائز في الانتخابات تناول مشكلة تفاقم الشعور بانعدام الأمن بمختلف أرجاء البلاد. على سبيل المثال، تحولت بعض المناطق في إيران إلى مناطق يحظر الدخول إليها حتى من جانب قوات الأمن، في الوقت الذي يتجول فيه مهربو الأسلحة والانفصاليون والمتورطون في الجرائم المنظمة بمختلف أرجاء البلاد دون عقاب أو رادع. في الواقع، تعد الحملة الانتخابية الرئاسية تلك فرصة مهدرة، حيث أخفق المرشحون الأربعة في طرح نمط القيادة الذي تحتاجه دولة تمر بأزمة عميقة. بدلا من ذلك، أهدر المرشحون الكثير من طاقاتهم في تبادل الاتهامات. وقد كشفت المناظرات التلفزيونية أنه ليس لدى أي منهم أدنى فكرة عن كيفية إدارة الحكم بدولة كبيرة تمر بلحظة حاسمة من تاريخها.

لكن العزاء في أن مكتب «المرشد الأعلى» ما زال يعمل كقوة لفرض التوازن فيما يخص بعض القضايا الجوهرية. علاوة على ذلك، فإن قطاعات واسعة من الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تسيّر أمورها بنفسها منذ سنوات.

والمؤكد أن الحملة الانتخابية الرئاسية هذا العام أضرت بشدة بالسلطة الأخلاقية الضعيفة التي يحملها منصب الرئيس في ظل النظام الخوميني. وستكون أكثر المهام صعوبة أمام الفائز استعادة بعض من هذه السلطة المفقودة.