التفاوض من أجل الطرف الآخر

TT

أكد الرئيس الأميركي باراك أوباما، في القاهرة يوم الخميس قبل الماضي، على رغبته في «التقدم بدون شروط مسبقة» والتفاوض مع إيران «على أساس الاحترام المتبادل». وحتى الآن لا يوجد من يقبل العرض من طهران. ولكن حتى إذا كان هناك قبول، النتيجة النهائية هي أنه سواء كان الأمر مع إيران أو كوريا الشمالية أو في عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، فلم يعد هناك الكثير في أعوام الالتزام الإرادي. والأسوأ هو أن تاريخ مثل تلك المفاوضات يجب أن يجعل الشعب والكونغرس يتوقفان قليلا. كثيرا ما يصبح المفاوضون الأميركيون مدافعين عن غير قصد لخصومهم، فيصبحون مستغرقين للغاية في عملية المفاوضات، لدرجة أنه لا يمكنهم أن يقبلوا فكرة انهيارها، أو فشلهم هم، حتى أمام الدليل الدامغ على أن المباحثات غير ناجحة. ولننظر إلى مهمة دينيس روس، «مستشار أوباما الخاص في الخليج العربي وجنوب غرب آسيا». منذ عام 1993 إلى عام 2000، بصفته «منسق الشرق الأوسط الخاص» في عهد الرئيس كلينتون، أضاف روس حماسا ومعرفة عميقة إلى مهمته. ولكن تقيدت عملية السلام التي كان يرجو تسهيلها بالقوانين الأميركية، التي تشترط على منظمة التحرير الفلسطينية التخلي عن الإرهاب والاعتراف بإسرائيل من أجل الحصول على مساعدة الولايات المتحدة.

واتخذت منظمة التحرير الفلسطينية خطوات أولية تجريبية نحو الاعتراف بإسرائيل، ولكن تبعت تلك الخطوات انتكاسة إرهابية. ولم يتمكن ياسر عرفات، ومشاركوه أن يقوموا بأمر دون الآخر. لماذا؟ كانت سلطة عرفات شرعية بين الفلسطينيين، وفي المنطقة فقط، عندما كانت منظمة التحرير الفلسطينية في حرب ضد إسرائيل. وكان يجب أن تضع التصرفات الإرهابية لمنظمة التحرير الفلسطينية نهاية فورية للمساعدة الأميركية، ولكن بدلا من ذلك، جاء روس إلى الكونغرس في محاولة للسيطرة على الضرر الذي وقع. وكمدافع غير متوقع عن منظمة التحرير الفلسطينية، حاول روس في جلسات مغلقة عديدة وضع التصرفات الفلسطينية في سياقها، موضحا أنه بينما كان عرفات هو رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، إلا أنه غير متورط بصورة مباشرة في الإرهاب، مشيرا إلى أن السلطة الفلسطينية نددت بالاعتداءات. وبعد أعوام من ذلك الأسلوب المؤلم، الذي لاقى تشككا متزايدا من الحزبين، امتنع روس عن جلسات الكونغرس.

ومن العدل أن نقول، إن هدف روس كان جعل الفلسطينيين أقرب إلى الوصول إلى اتفاق مع إسرائيل، يمكنه، نظريا أن يزيل الحاجة إلى وجود مفجرين انتحاريين وهجمات صاروخية وقناصة. وبدورها، جعلت الإجراءات الإسرائيلية الصارمة وغلق المعابر الناتجة عن الانتهاكات الفلسطينية المساعدة الأميركية أهم من أجل الحفاظ على استمرار عملية السلام، أو هكذا كان يقال.

ولكن أصبحت العملية مثل المصيدة، ومن أجل إدامتها، كانت إدارة كلينتون تحتاج إلى التعتيم على حقيقة الانتهاكات الفلسطينية للقانون الأميركي. وكلما ازداد الزيف، أصبح من الأصعب توصيل رسالة موثوق بها حول مخاطر الإرهاب إلى الفلسطينيين. ووقعت كل من إدارة كلينتون، وجورج دابليو بوش، في مصيدة التفاوض ذاتها مع كوريا الشمالية. وكان فريق كلينتون متشبث للغاية بفكرة كوريا الشمالية الخالية من السلاح النووي، لدرجة أن الرئيس ووزير الخارجية كانا راغبين في تجاهل معلومات استخباراتية تشير إلى أن بيونغ يانغ تقوم بالخداع في اتفاقها. وعندما ظهر الدليل على أن كوريا الشمالية تحول شحنات الوقود إلى الصناعات العسكرية، فيما يتعارض مع الإطار المتفق عليه، ألقى روبرت غالوتشي الوسيط في المفاوضات باللوم على البنتاغون، بسبب الإصرار على مثل تلك القيود. وكانت إدارة بوش أفضل قليلا. وفي الحقيقة، جاء مبعوث بوش، إلى كوريا الشمالية كريستوفر هيل، ليجسد متلازمة ستوكهولم، حيث طلب فحص المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بعدم التزام كوريا الشمالية بتعهداتها في نزع السلاح النووي من خلاله، وأوقف الدبلوماسيين أصحاب الرؤى المناقضة لحكمته في أسلوب التعامل مع بيونغ يانغ.

وفي الشهر الماضي، أعلن أوباما، أن إيران أمامها فترة حتى «نهاية العام» لتعرب عن نيتها الجادة في التفاوض حول حل لبرنامجها النووي. وقد خصص مسؤولو الإدارة، في تفاؤل برغبة طهران في التفاوض بإخلاص، مبعوثا خاصا لتولي هذه المهمة. وكان على الإدارة أن تتذكر قاعدة بسيطة: أول مرة خطأ، وثاني مرة يصبح الأمر نمطا، وثالث مرة يصبح عمى. وكثيرا ما يكون المفاوضون الأميركيون مقامرين دبلوماسيين، سعيا إلى التقدم أو مكان في كتب التاريخ، وهم يضعفون الأمن القومي الأميركي أملا في أن يجلب الزهر لهم في المرة القادمة النجاح. وقد أظهر بعض المفاوضون أنفسهم على أنهم راغبون في التستر على الحقيقة أمام الكونغرس، وآخرون سيسوا الاستخبارات. ويقول المؤيدون للعبة المفاوضات، إن إدخال الخصوم في العملية يوفر وقتا وأمنا. ولكن كما يثبت أحدث اختبار أجرته كوريا الشمالية، الوقت الذي تشتريه المفاوضات لا يخدم سوى الخصوم.

* نائب رئيس قسم دراسات السياسة الخارجية والدفاعية في معهد أميركان إنتربرايس

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»