أهمية أن يكون المرء أوباما

TT

عادة ما انتابني الخوف من أن يكون الرئيس الأميركي باراك أوباما مبالغا في تقديره لقوة تاريخه الشخصي كواحد من أدوات السياسة الخارجية. أما الآن، فقد بدأت أتساءل في داخلي حول احتمالية ألا يكون أوباما قد قدر هذا التاريخ حق قدره.

خلال العديد من اللقاءات التي أجريت معه على امتداد الحملة الانتخابية الرئاسية طويلة الأمد، ذكر أوباما التأثير المحتمل على دول أخرى عندما ترى رئيسا أميركيا بمظهر وسيرة ذاتية تختلف عن جميع من سبقوه. وتحدث عن كيف أن العالم الإسلامي على وجه الخصوص ربما، حال مخاطبته من جانب رئيس من أب مسلم وقضى سنوات طفولته ببلد إسلامي، يبدي ميلا أكبر لتصديق أن الولايات المتحدة ليست عدوا للإسلام. لكن الأمم عادة ما تتحرك انطلاقا من مصالحها الوطنية، وليس على أساس الشخصية. واعتقدت أنه إذا ما تقلد أوباما الرئاسة ـ الأمر الذي بدا مستبعدا للغاية عندما سمعت أوباما يذكر هذا الأمر للمرة الأولى في لقاء أجري معه في مارس (آذار) 2007 ـ فسيتم النظر إليه كصديق أو عدو بناءً على أسلوب إدارته للسياسة الخارجية الأميركية.

والآن، بعد جولة أوباما في الشرق الأوسط، فإنني وأوباما كنا على صواب. من ناحية، ليس من الخطأ قط النظر إلى الشؤون الدولية من منظور عملي يخلو من أية عاطفة. إلا أنه في الوقت ذاته من الخطأ تجاهل مشهد وقوف أحد الحاضرين أثناء إلقاء أوباما خطبته داخل جامعة القاهرة، ومقاطعته للرئيس الأميركي صائحا: «نحن نحبك!». وكما نذكر جميعا، فإن آخر ظهور علني لافت للانتباه لرئيس أميركي في العالم العربي كان خلال المؤتمر الصحافي في العراق الذي نجح خلاله جورج دبليو بوش في تفادي حذاءين طائرين مصوبين باتجاهه. ولا شك أن كون أوباما ليس جورج بوش، كان له دور مهم. لكن يتمثل عامل آخر لا يقل أهمية في أن الرئيس الجديد هو أوباما تحديدا، وكونه قادرا على قول ـ مثلما فعل في القاهرة ـ: «لقد عرفت الإسلام في ثلاث قارات قبل مجيئي إلى المنطقة التي شهدت نزول الوحي به».

وأشار أوباما إلى «أجيال من المسلمين» في عائلة والده الكينية، والسنوات الأولى من حياته في إندونيسيا وتجربة عمله داخل المجتمعات المقيمة في شيكاغو، حيث: «وجد الكثيرون الكرامة والسلام في دينهم الإسلامي». لكن اللفظ الأهم في هذه العبارة جاء في النهاية بقوله «نزول» وليس «مولد»، مما يوحي باعتراف أوباما بأن الإسلام وحي إلهي.

واستشهد أوباما بحرية بآيات القرآن، مما أكسبه الثناء والإشادة من الحضور. وربما كان الأهم من ذلك استهلاله الخطاب بوضع الإسلام في الإطار التاريخي الذي يعتقد الكثير من المسلمين أن الغرب يتجاهله عن عمد، حيث تحدث عن كيفية نجاح الإسلام في الإبقاء على شعلة الحضارة متوهجة بينما كانت أوروبا تقبع في عصور الظلام، وذكر نسخة القرآن التي احتفظ بها توماس جيفرسون في مكتبته.

لقد تحدث أوباما لغة الإسلام بنبرة يسودها الاحترام. أما باقي الخطاب فتألف بصورة رئيسية من موجز للسياسة الخارجية الأميركية داخل دول العالم الإسلامي، وفي الواقع لم يشر الخطاب إلى أي تحول حقيقي عن المسار التقليدي للسياسة الأميركية، ذلك أن الإدارات السابقة دعت لقيام دولة فلسطينية، ولم يبد أوباما صرامة تجاه إسرائيل بقدر ما أظهرته وزارة الخارجية بقيادة جيمس بيكر في عهد إدارة جورج بوش (الأب). ولم يكن في جعبة أوباما أي أمر جوهري لإعلانه بخصوص حربي العراق وأفغانستان. وقد شدد على نحو ملائم على حق الولايات المتحدة في حماية نفسها ضد الإرهابيين.

ومع ذلك، بدت السياسات المألوفة على نحو مختلف عندما تفوه بها أوباما، ليس فقط بسبب هويته، وإنما كذلك لما أبداه من تواضع. على سبيل المثال، اعترف أوباما أنه خلال السنوات الأخيرة تصرفت بلادنا على نحو «منافٍ لمثلنا»، وأشار إلى أنه أصدر أوامره بإنهاء التعذيب وإغلاق سجن غوانتانامو. وعلى الرغم من أن البعض يظن أن الاعتراف بالخطأ مؤشر على الضعف، فإنني أعتقد أنه مؤشر على القوة والثقة، وأعتقد أن تلك كانت نظرة الجمهور الذي تحدث إليه أوباما.

وربما كان المؤشر الأمثل لمستوى أداء أوباما في القاهرة رد فعل منافسيه في الفوز بعقول وقلوب أبناء العالم الإسلامي، حيث أشارت وكالة «أسوشييتد برس» يوم الأحد الماضي إلى أن كلا من «حزب الله»، جماعة حروب العصابات اللبنانية المدعومة من إيران، ورجل دين سعودي راديكالي بارز، وجماعة «الإخوان المسلمين» المصرية، دعوا جميعا لعدم الانجذاب إلى كلمات أوباما المعسولة، مما يوحي بأن هذه الكيانات كانت تكن خوفا كبيرا من أوباما. وأشار أحد المواقع على شبكة الإنترنت الذي عادة ما يعكس فكر تنظيم القاعدة إلى أوباما باعتباره «عدو عاقل». ولا شك أن رؤية المسلمين حاليا لشخص متعاطف معهم داخل البيت الأبيض يخلق إمكانات جديدة. وقد اتضح أن كون المرء أوباما أهم مما اعتقدت سابقا.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»