جزء من سيرة العمامة

TT

يلخص الأحنف بن قيس أبرز علامات العز والسؤدد في العرب في التالي: «إذا تقلَّدُوا السُّيوف، وشَدُّوا العمائم، واستجادُوا النّعال، ولم تأخذهم حَمِيَّة الجاهلية». والعمائم لبسها العرب منذ الجاهلية، واعتمرها الرسول صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدون، والتابعون، وتفنن الكثيرون من العرب في لفها على الرؤوس، وأشهر العمائم في التاريخ عمامة الحجاج بن يوسف، التي جاء ذكرها في قوله: «أنا ابن جلا وطلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني»، وعمامة عبد الله بن عمر المخزومي التي نزعها عن رأسه، حينما ثار أهل المدينة على يزيد بن معاوية، وقال: «قد خلعت يزيد كما خلعت عمامتي هذه»، وعمامة سعيد بن العاص بن أمية الذي قيل فيه المثل: «أجمل من ذي العمامة».

وتختلف العمامة من مجتمع لآخر، فلكل مجتمع أسلوبه الخاص في وضع العمامة على الرأس، ومن أشهر العمائم الحالية العمامة السودانية البيضاء، التي تشبه رايات الفرح، وتميز السودانيين عن غيرهم، ويصل طولها إلى خمسة أمتار، وسكان الصحاري يسدلون أطراف العمائم على أجزاء من وجوههم اتقاء للغبار كما يفعل الموريتانيون. وقد حافظ العمانيون على العمامة، وشكلت العمامة مكونا من زيهم الرسمي، والعمامة اليمنية لم تزل تقاوم الانحسار، رغم اتجاه البعض إلى اللباس الغربي. وفي السعودية يسدل الكثيرون العمامة على الرأس والكتفين دون لفها، ويضعون العقال فوقها، وكان البعض يضع عمامة بيضاء كبديل للعقال فوق العمامة المسدلة، كما كان سكان مدن الحجاز حتى عهد قريب يعتمرون العمائم «الغباني» و«الألفي». ولأهل الإمارات عمائمهم المميزة الجميلة، وكذلك بعض أهل العراق والشام كعمامة «العكيد أبو شهاب». وتمتد خارطة العمامة لتشمل الكثير من الجماعات في الهند، وباكستان، وأفغانستان، وإن كانت قد انحسرت في تركيا منذ عهد أتاتورك.

وانتشار العمامة في العالم الإسلامي جعلها رمزا يستدل به على إسلام معتمرها في الغالب، ولذا كانت عمامة أوباما، التي ارتداها في كينيا جزءا من الحملة المضادة أثناء الفترة الانتخابية، إذ نشر خصومه صورة التقطت له أثناء زيارة سابقة له إلى كينيا، وهو يرتدي العمامة ليشككوا في مسيحيته، وكانت تلك الصورة من أكثر الأشياء التي ابتهج بها خصومه، واعتبروها دليل إدانة ضده.

ذلكم جزء من سيرة العمامة، كتبها لكم رجل أصلع، حرصا على أن يؤصل لكل ما يغطي صلعته، ففرحته بأغطية الرأس لا تقل عن فرحة القيصر الأصلع الذي قلده شعبه إكليلا من الغار حينما عاد منتصرا من إحدى معاركه، فوجد فيه ما يستر الصلعة، ولم ينزعه حتى وفاته. كفاكم الله تصحر الرؤوس.

[email protected]