جريمة في المتحف اليهودي

TT

لم تكن الحادثة كبيرة، بل جريمة فردية، دون أن تعلن أي منظمة أنها وراءها. ضحاياها قتيل واحد، والقاتل انتهى على سرير في المستشفى في انتظار محاكمته بأهون التهم، القتل العمد، لأن النظام لا يعاقب على الكراهية والعنصرية. مجرد جريمة عنصرية أخرى في مجتمع متعدد الأعراق، متنافس الثقافات. المفارقة في المكان، حيث يروي المتحف تاريخ المحرقة النازية، قصة العنصرية التي يرفض البعض تصديقها ليس لأنها لم تقع بل كجزء من الصراع الفكري المستمر، بدليل أن ناكريها يدعون علانية للتخلص من الأعراق الأخرى والإبقاء على الأصل الأبيض الأوروبي متسيدا.

الفاعل فيه كل المواصفات التي تخالف التفسير البسيط للإرهابي العنصري، عمره 88 عاما، وينتمي إلى البيض، الفئة المحظوظة من السكان، في بلد هو الأغنى اقتصاديا. فإذا كنت أبيض، وأميركيا، ومجربا كبيرا في العمر، وفي بلد يسمح لك بالتعبير بحرية، ويتيح لك أيضا الرفض عبر الانتخاب، إذن كيف يمكن أن تحمل بندقية وتتجه إلى متحف وتقتل حارسا أسود للتعبير عن كراهية أو اعتراض على طرح تاريخي ضد اليهود؟

مجرد دليل آخر على أن الكراهية ليست فقرا، أو أمية، أو كبتا سياسيا، أو ديانة، أو مراهقة، بل ثقافة، وثقافة فقط. وهذا ما يجب أن يفهمه كل من يختصر العلة في المسألة الأمنية، أو الذين يبحثون عن أكباش فداء كأولئك الذين يفتشون في الكتب الإسلامية أو في المجتمعات الإسلامية. ليس صعبا أن تجد دليلا على طرح خاطئ أو أناس خطأ، كما رأينا في مرتكب جريمة متحف الهولوكوست.

إن دعاة كراهية المسلمين، مثل دعاة كراهية اليهود، مثل دعاة كراهية السود، وطبعا مثل دعاة كراهية البيض.

لا تقللوا أبدا من قوة الثقافة، خصوصا ثقافة الكراهية، وما يمكن أن تفعله بأكثر الناس علما أو أفضلهم حظا. ما الذي يجعل شابا مليونيرا مثل أسامة بن لادن ينتهي في طريق محاربة الغير؟ ما الذي يجعل دكتورا متعلما مثل أيمن الظواهري يتفرغ للقتل على الهوية؟ هو نفس الذي جعل هذا الرجل الأميركي الأبيض المسيحي يتجه إلى متحف بنية القتل العمد للتعبير عن رأيه. للكراهية طاقة تفوق الرغبة في الاحترام والتحاور أو على الأقل التعايش.

وبحسب الإحصائيات فإن عدد الجماعات العرقية البيضاء العنصرية زاد عدد منابرها الإلكترونية آلاف المرات، لا لأن الوضع على الأرض ساء بل لأن وسائل نشر العنصرية صارت متاحة ورخيصة. مليئة بالتحريض على المسلمين والسود واليهود، مليئة بخرافات عن مؤامرات إسلامية لاحتلال أميركا، وأخرى أن اليهود يملكون البنك المركزي الاحتياطي. وهذه الجماعات تعمل في العلن، والنظام الأميركي يحميها، ويسمح لثقافاتها بالانتشار في النهار باسم حماية الحريات كون صيانة الحرية ركيزة في الدستور، مع أن الحكومة الأميركية تدور في أنحاء العالم تحث الحكومات الأخرى على محاربة ثقافات الكراهية. والحقيقة أن الكثير من أدبيات الكراهية في المواقع الإسلامية المتطرفة منقولة عن مواقع الجماعات النازية البيضاء التي تلفق الكثير من تاريخ اليوم وتاريخ الأمس، فكيف يمكن لنا محاربة الكراهية إذا كان المنبع يتمتع بالحماية؟

[email protected]