إنذار!

TT

ثروات الدول تقاس بوسائل وأساليب مختلفة من أهمها معدلات الثقة في اقتصادها. ومعدل الثقة هو فعلا معيار دقيق لمعرفة وضع ومتانة وجدارة دولة عن أخرى. وهذا لا يتحقق إلا بمعايير إرساء العدل وتطبيق النظام بحزم وقوة لحماية المتضرر وصون المصلحة العامة. وفي العالم العربي عموما وتحديدا في دول الخليج منه تعتبر الشركات العائلية العمود الفقري للاقتصاد وصمام الأمان وضمانة الاستمرارية من جيل لآخر. وحماية الشركات العائلية في حال تعرضها لأي هزة لا يعتبر ترفا أو رفاهية، ولكنه واجب أساسي ضمن طرق صون الأمن الاقتصادي بامتياز. حديث المجالس ودوائر الإعلام الرئيسية في الخليج تتحدث بإسهاب وبتفاصيل بالغة الإثارة عن خلاف تجاري بين مجموعتين تجاريتين في السعودية، والخلاف كبير من الناحية القانونية والنظامية، إضافة إلى أن حجم المبالغ المتعلقة بالخلاف هائل ويمس العديد من الجهات المصرفية والشركات الأخرى. بمعنى صريح: حجم الضرر يتخطى الشركتين ليصيب عشرات المؤسسات وآلاف الأفراد. مضى ما يقارب الشهر على انفجار الخلاف وتداعياته لا تزال مستمرة ومرشحة لأن تزداد وتتفاقم إذا لم يحدث تدخل حاسم وفوري لفض الاشتباك وإرساء الحل الذي بات واضحا بعد أن اتضحت ملامح «الخطأ الجسيم» وبات معروفا «المسؤول» عن ذلك ومن تشابك الخيوط المتعلقة «بالأخطاء» التي أدت إلى الكارثة التي وصلت إليها المسألة. المشكلة هذه ليست خاصة ومحدودة، فهي تمس بنوكا سعودية وبنوكا خليجية ومصارف دولية وشركات متعددة الأنشطة في الداخل والخارج وعشرات الآلاف من المواطنين وأسرهم وبلايين من الدولارات وسمعة هيئات ومؤسسات ودول. إنها كرة ثلج محمومة إذا تركت تتدحرج دون تدخل ستنال آخرين ويصبح حجم الضرر مهولا وفاتورة التكلفة مرعبة سيكون من الصعب قبولها وتحملها بسهولة.

هناك مظلمة وقعت بحق شركة عائلية عريقة تعمل باحترام لثالث جيل (وهو إنجاز فريد بحد ذاته)، والتدخل لحماية هذا الكيان العريق هو شهادة ترصد لصالح الاقتصاد الوطني في المقام الأول. الشركات المحترمة وذات السمعة اللافتة هي بمثابة درر في التاج الاقتصادي لأي دولة، والتدخل لحمايتها في حال تعرضها لأي مشكلة أو في حالة هذه المظلمة مهمة ومطلوبة وأساسية. وعنصر الوقت الآن يتحول لمسألة حيوية لأن مضي الوقت بدون تدخل قاطع يحسم الغموض والضبابية ويقطع دابر الأقاويل والإشاعات، سيفتح الباب أمام مروجي الأكاذيب والأساطير لمآرب أخرى. الكل تابع تدخل الولايات المتحدة الأميركية وهي تحمي شركاتها كجنرال موتورز وكرايسلر وشركات العقار والتأمين لإدراكها أن تلك الشركات هي فقرات أساسية في العمود الفقري للاقتصاد الوطني. وحتى عربيا تدخلت الحكومة في الكويت لإنقاذ بنك الخليج، وفي الإمارات العربية المتحدة تدخل البنك المركزي لتمويل أهم شركات التطوير العقاري.

الأمثلة كثيرة وبالغة الوقع، والتحرك السريع والحاسم مطلوب كبداية خطوة إصلاح لخطأ جسيم ومن بعد ذلك يتم متابعة الإجراءات النظامية والقضائية بحق المخطئ. ولكن هناك حريقا مشتعلا ويزداد اشتعالا، لا بد من إخماده حتى لا يطال شراره الحارق قطاعات أخرى. الضرر قائم ويجب ألا يستمر.

[email protected]