إيقاف القنبلة الإيرانية

TT

ثمة سؤال كان مهيمنا على الاجتماع الذي عُقد بين الرئيس باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، ألا وهو: هل يمكن لاستراتيجية الرئيس القائمة على التعاون الدبلوماسي إقناع إيران بإيقاف جهودها بمجال بناء الأسلحة النووية؟. لسوء الحظ، لا يتيح لنا التاريخ ما يدعو إلى الأمل، لا سيما إذا ظلت الولايات المتحدة مركزة اهتمامها على محاولة طمأنة إيران إزاء نياتها الحميدة. وتظهر الاحتمالية الأكبر في النجاح في منع الدول المعادية من امتلاك أسلحة نووية، نتيجة تغيير الأنظمة، أو اتباع الدبلوماسية القسرية، أو العمل العسكري، وليس التعهدات الأميركية بالاحترام المتبادل.

ونورد مثالا على ذلك.. لقد تنازلت جنوب أفريقيا عن ترسانتها النووية في عام 1990 فقط، بعدما بدأ النظام القائم على سياسة التمييز العنصري في التفسخ. كما تنازلت روسيا البيضاء، وكازاخستان، وأوكرانيا عن أسلحتها النووية، بعدما بزغوا جميعا كدول مستقلة في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي. وفي حقبة الثمانينات، ارتبطت قرارات البرازيل والأرجنتين بإنهاء برامجهما النووية بانتقالهما من النظام الديكتاتوري العسكري إلى الديمقراطية الليبرالية.

وتؤكد الحالات الناجحة لوقف الأنشطة النووية العسكرية في الشرق الأوسط على أهمية استخدام الأساليب القسرية. ففي شهر ديسمبر (كانون الأول) عام 2003، وافق الرئيس الليبي معمر القذافي على عرض أميركي يقضي بإعادة العلاقات الودية بين البلدين، مقابل التخلي عن بنيته التحتية للأسلحة النووية، وذلك بعد أن أظهرت له القوات الأميركية مثالا قويا على قدراتها على خلع وأسر رفيقه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.

أما وقف طموحات صدام حسين النووية، فتطلب إجراءات أكثر صرامة، ففي عام 1981 دمرت الطائرات الإسرائيلية مفاعل العراق قبيل شروعه في إنتاج البلوتونيوم اللازم لإنتاج الأسلحة النووية. وبعد عشرة أعوام، أدى نجاح الولايات المتحدة في حرب الخليج إلى تفكيك برنامج صدام حسين لتخصيب اليورانيوم، أملا في إنتاج قنبلة ذرية.

كما ثبتت ضرورة استخدام القوة العسكرية في التصدي للأنشطة النووية السورية، ففي سبتمبر (أيلول) 2007، أغارت الطائرات الإسرائيلية على مفاعل كان قد شارف على الاكتمال، عمدت دمشق إلى بنائه سرا بمساعدة كوريا الشمالية.

وبالنسبة لإيران، تشير الدلائل القائمة على أرض الواقع إلى أن النجاح الأكبر لأميركا في إعاقة البرنامج النووي لطهران لن يتأتى عبر المفاوضات، وإنما من خلال الضغوط العسكرية والدبلوماسية المكثفة. وأشار تقييم الاستخبارات القومية الأميركي في عام 2007 إلى أنه في عام 2003 أوقفت إيران خطة عملها لتصميم أسلحة نووية (فيما استمرت جهودها في تخصيب اليورانيوم وتطوير صواريخ باليستية)، نتيجة للضغط الدولي المتزايد الناجم عن افتضاح برنامجها النووي السري. ولاحظ غالبية المراقبين أن قرار إيران تزامن مع الغزو الأميركي لجارتها العراق، وإسقاط نظام صدام حسين بعد ثلاثة أسابيع من القتال؛ ما أخفق الجيش الإيراني في تحقيقه بعد 8 أعوام من الحرب مع العراق خلال الثمانينات.

وتبدو دروس التاريخ واضحة بالنسبة إلى إدارة أوباما: فبخلاف اللجوء إلى تغيير النظام أو الهجوم العسكري، يبدو أن أكثر الطرق المحتملة لإقناع دولة معادية لواشنطن وراعية للإرهاب ـ على غرار إيران ـ بوقف برنامجها للأسلحة النووية تتمثل في توجيه تهديدات قوية لقدرة النظام على إحكام قبضته على السلطة. وفي الوقت الذي يجري استغلال التعاون الدبلوماسي المكثف مع طهران للتأكيد على توافر فرصة تاريخية لتحقيق المصالحة، ينبغي أن تعمل الولايات المتحدة ـ على نحو متزامن ـ على مواجهة النظام بمزيج من الضغوط الدبلوماسية، والعقوبات الاقتصادية، والقسر العسكري.

في الوقت الراهن، على الأقل، يبدو أن الإدارة الأميركية تميل إلى انتهاج مسلك آخر، فبدلا من استخدام سياسة التعاون كآلية لتوضيح الخيارات القاسية التي يواجهها حكام إيران، يبدو أن الرئيس باراك أوباما يقصر تركيزه على إظهار رغبة أميركا العميقة في تحسين العلاقات. وحتى الآن، لا تبدو النتائج مشجعة، بالنظر إلى إشارات حسن النية المتعاقبة من قبل الولايات المتحدة، التي ردت عليها طهران بسلسلة من الاستفزازات، ومنها إطلاق قمر صناعي إيراني، وإزاحة الستار عن مصنع لإنتاج الوقود النووي، والاعتقال التعسفي (ثم الإفراج بعد ذلك) عن صحافية أميركية على خلفية اتهامات مختلقة بالتجسس.

ومن اللافت للنظر أن نهج الإدارة الأميركية يبدو متعارضا على نحو متزايد مع نهج حلفائها في الشرق الأوسط الذين يسعون إلى زيادة الضغوط على طهران إلى أقصى حد ممكن. وعلى مدار الشهور الماضية، بذلت مصر جهودا عامة شجاعة لحشد أصدقاء أميركا من العرب في وجه حملة التخريب الإيرانية الممتدة من العراق حتى المغرب. وبدلا من الإسراع لنجدة الحلفاء المكروبين القلقين من الحملة الإيرانية، التزم أوباما الصمت في معظم الأوقات، وآثر التأكيد مجددا على اهتمامه بالتوصل إلى تسوية مع طهران؛ التي تمثل منبع المشكلات في المنطقة.

كما ظهرت تباينات مهمة بين موقفي الإدارة الأميركية وإسرائيل، لا سيما حيال الاستخدام المحتمل للقوة لوقف البرنامج النووي الإيراني. وتجلى ذلك في تحذير كل من بايدن - نائب الرئيس الأميركي، وروبرت غيتس - وزير الدفاع - إسرائيل علانية من شن أي هجوم على إيران. وتكهن غيتس صراحة بأن أي عمل عسكري أميركي ضد إيران ستكون نتائجه عكس المرجوة منه.. فهل يمكن لأي توجه يقوم على التخلي عن مثل هذا القدر البالغ من النفوذ الدبلوماسي والعسكري أن يؤتي ثمارا مع إيران التي عقدت العزم على الحصول على أسلحة نووية؟. بالنظر إلى المخاطر القائمة، لا يسعنا سوى الابتهال إلى الله أن يحدث ذلك، ولكن على خلفية تاريخ النظم الشرق ـ أوسطية الاستبدادية الساعية للحصول على الأسلحة النووية، يجب علينا الاعتراف بأن استراتيجية إدارة أوباما تعكس اعتمادا أكبر على الأمل، على حساب الخبرات التاريخية.

*زميل بارز في معهد الشرق الأوسط لسياسة الشرق الأدنى.. وقد عمل مستشارا للأمن القومي لنائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني في الفترة ما بين 2005 - 2006

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»