سعيد لأني أخطأت!

TT

كنت من العرب القلائل الذي كانوا يرون بأن جون ماكين ـ مرشح الرئاسة المنافس لأوباما في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الماضية ـ أفضل بالنسبة لقضيتنا العربية المركزية ـ فلسطين ـ من باراك أوباما، ولكن يبدو أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما «يخيّب ظني» يوما بعد يوم.

يجمع كثيرون على أن الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي باراك أوباما من القاهرة كان خطابا تاريخيا بكل المقاييس. ولقد أدرك معسكر معاداة أمريكا، ممثلا ببن لادن وخامنئي وأيمن الظواهري، ذلك فسارعوا إلى الهجوم عليه قبل أن يلقي الرئيس خطابه. تلا خطاب الرئيس استهجان واستهزاء من حزب الله اللبناني ببيان بثه. تشدد حزب الله لم يفِده كثيرا في الانتخابات، فصوّت اللبنانيون للموالاة وليس للمعارضة.

أهم ما في الخطاب عند تطرقه للصراع العربي ـ الإسرائيلي أن رئيسا أمريكيا ساوى لأول مرة بين الضحية والجاني. الرئيس الأمريكي تحدث عن التزام بلاده بدعم إسرائيل والحفاظ على أمنها، ولكنه في الوقت نفسه تحدث عن معاناة الشعب الفلسطيني وذكر بأنها معاناة «لا يمكن القبول بها»، مكررا التزام بلاده بحل الدولتين، وضرورة وقف إسرائيل بناء المستوطنات. الطلب بوقف بناء المستوطنات من المحرمات التي يتحاشاها الساسة في أمريكا، ولم يسبقه بهذا الموقف سوى جورج بوش الأب عام 1992م، فلم يُعَد انتخابه.

قد يقول قائل: وهل في مساواة الضحية بالجاني خطوة إيجابية؟ والإجابة بالطبع لا، ولكن في سياق الموقف التاريخي للإدارات الأمريكية المتعاقبة هي تقدم متميز، فلقد وقفت كافة الإدارات الأمريكية السابقة إلى جانب الجاني ـ إسرائيل ـ دون قيد أو شرط، واعتبرته الضحية، وأشارت دوما باللوم والتجريم إلى الضحية ـ الفلسطينيين ـ وتحميله كافة أسباب استمرار الصراع في المنطقة.

صورة إسرائيل في العالم هذه الأيام ليست في أفضل حالاتها، فلقد انتهت تلك الصورة «المثالية» لتلك الدولة الصغيرة الديمقراطية المسالمة المحاطة بالعرب الوحوش الذين يحاولون الانقضاض عليها ورمي أهلها في البحر. عقود طويلة من الدعاية الصهيونية قضت عليها الجرائم الإسرائيلية والعولمة وجهود قوى السلام العالمية، إسرائيل محاصرة ومطالبة بوقف الاستيطان كخطوة للمطالبة بنزعها، وإلا أين ستقوم الدولة الفلسطينية؟ دعوات أوروبية بمقاطعة البضائع الإسرائيلية، وهذه جرأة وسابقة لم تكن تخطر على بال قادة إسرائيل.

من حظنا، لو أحسنّا العمل، أن إسرائيل يقودها يمين متطرف، وليس يمينا ذكيا يحسن فن العلاقات العامة، نتانياهو ووزير خارجيته ليسا صورا جميلة لإسرائيل للتعامل مع المجتمع الدولي.

ولكن ماذا بعد؟

قد يكون التوجه الأمريكي الجديد، والصورة الإسرائيلية العامة السلبية، فرصة تاريخية لتحقيق مكاسب ما، ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في موقف عربي موحّد، والأهم هو موقف فلسطيني موحّد. فلو وجدت إسرائيل نفسها مجبرة على «مرارة» السلام، فستلجأ إلى حجة الوضع الفلسطيني: من هو شريكي في السلام مع الفلسطينيين؟ فتح أم حماس؟

مخجل ومخزٍ في نفس الوقت أن صراعا فلسطينيا ـ فلسطينيا يأخذ أشكالا دموية يجري في الضفة وغزة، والاقتتال الفلسطيني يجري والأرض لا تزال محتلة، وأراضي الضفة تصادر يوميا وتبنى عليها المستوطنات. إسرائيل تراهن على استمرار الحالة الفلسطينية لتستمر في التلكؤ من تنفيذ التزاماتها الدولية، وتواصل قضم الأراضي الفلسطينية لتخلق واقعا جديدا وتراهن على تغير الظروف، وربما تغير سياسة أوباما تجاهها لسبب أو لآخر.

نحن العرب سادة في ضياع الفرص التاريخية، والمرحلة تقدم لنا فرصا قد لا تتكرر، فلنتذكر مراحل الصراع العربي ـ الإسرائيلي ونتفكر مردّدين على الطريقة المصرية: «كُنّا فين، وبقينا فين؟».

أتابع سياسة أوباما وخطبه ومواقفه، ويوما بعد يوم يثبت لي أني كنت مخطئاً في تقييمه تجاه قضيتنا الأولى، وأتمنى أن يستمر أوباما بنهجه الجديد وأن يترجمه على أرض الواقع، وأنا سأكون سعيدا جدا لأنني كنت مخطئا..