الجنرال والصحافة

TT

كان هناك دائما خلاف بين السياسيين والصحافيين في لبنان، كما في سواه. وكانت «محكمة المطبوعات» هي التي تقضي في الخلافات وفي الافتراءات وفي التشهير. ولكل مطبوعة في لبنان، مهما كان نوعها أو حجمها، ما يسمى «بالمدير المسؤول». وهو غالبا ليس عاملا في الصحيفة، لكنه يتحمل المسؤولية الأدبية والمادية أمام القضاء، ويتحمل وينفذ الأحكام، بالسجن أو بالتغريم.

لا أذكر أن سياسيا خاض معركة لفظية أو شخصية مع صحافي أو مع صحيفة. فإما أنه كان يرد موضحا بواسطة محاميه، أو يلجأ إلى القضاء. وكانت هذه هي القاعدة مهما كان موقع السياسي أو مستواه. وكلما علا موقع وخلق الرجل ازداد الرد أدبا. ولي في ذلك ثلاث تجارب تستحق التوقف، اثنتان منها تستحقان أيضا الانحناء.

الرئيس سليم الحص، رد على مقال عنه برسالة شخصية، أرسلها مع الزميل سمير منصور. والرئيس عمر كرامي، رد بمقال مليء أدبا وخلقا. وأحد أتباع النائب السابق إلياس السكاف، الذي هزم بكامل كتلته، رد بما يعكس خلقه ـ الكاتب ـ وسيرته ووضعه الاجتماعي والعائلي.

منذ أن عاد الجنرال ميشال عون، من باريس، انقلبت العلاقة بين السياسيين والصحافيين. للمرة الأولى في التاريخ، صار زعيم كتلة سياسية يسمي الصحافيين ويرد عليهم. وصار يقف وراء منبره ويهاجم مي شدياق، أو وليد عبود، وكأنهما الجبهة السياسية المقابلة. وسئل ذات مرة عن تلفزيون «المستقبل» ـ على التلفزيون ـ فأجاب بعفوية خارقة «هيدا كنا أحرقناه من زمان». وعندما أحرق تلفزيون «المستقبل» فعلا فيما بعد، استنكر الجميع ذلك، ولو من قبيل رفع العتب، إلا النائب عون.

على أن ذلك كله ليس موضوع هذه الزاوية، وإنما الحملة الشخصية والتعبئة الحزبية التي يسوقها عون على «النهار». وقد رفضت «النهار» أن تسير في ركابه، كما رفضت السير في ركاب كل عسكري منذ أيام فؤاد شهاب. وإذا كان من صحيفة تحافظ على الحد الأقصى من الموضوعية والمصداقية في تغطية الأخبار، فهي «النهار». لكن كلما نشرت «النهار» أرقاما لا تناسب مخيلات عون ومشيئته، اتهمها بالكذب. وهو يحمل دائما نسخة من «النهار» ملفوفة في يده، لكي يحرض عليها أمام محازبيه وهتافيه. وتحرص «النهار» أن ترد بأسلوبها وآدابها وأخلاقها. فهي جريدة لبنان منذ 75 عاما، وقد تبدل عليها غاضبون كثيرون، ولو ليس بهذه الألفاظ.