خذ هذا القرص وتعال غدا!

TT

كنت في طشقند في جمهورية أوزبكستان. الأرض مغطاة بالجليد. والشوارع ليست ناعمة.. فالجليد بارز كأنه أنياب ولا بد أن أحترس في السير، فليس مألوفا أن أمشي على الجليد، ولا أن أمشي على الأنياب. وجلست أحاول أن أجد شيئا أكتبه عن المدينة وأهلها الذين تغطوا بالملابس الثقيلة والطواقي الملونة وملامحهم منغولية. والإرهاق على وجوههم يصدك من أن تقول لأحد: صباح الخير أو مساء الخير.

ولم أر سوى تمثال لينين. فقد كانت أوزبكستان إحدى الجمهوريات السوفيتية. ولا أجد شيئا أقرأه أو أحدا أتحدث إليه.. اللهم إلا المرافق. وهو لا يعرف أية لغة. أما الإنجليزية فهو يعرف الأفعال فقط. فإذا أراد أن يخرج يقول: خروج.. وإذا أردنا أن نعود: عودة.. والأكل.. النوم..

ولم أجد شيئا أكتبه. وأخيرا وجدت لافتة في الفندق مكتوبا عليها: طبيب فدفعت الباب. فكانت طبيبة روسية في ملابسها البيضاء وهي حمراء وعيناها زرقاوان. سألت إن كانت تعرف الإنجليزية فأشارت بأنها يمكن أن تتحدث. وقلت لها: عندي ألم هنا.. ووجع هناك وصداع ومغص.. وارتفاع في درجة الحرارة وانخفاض يجعلني عاجزا عن النوم.. وشهيتي مسدودة عن الطعام.

ولم يظهر على وجهها أي دليل على اهتمامها وهى صفة يشترك فيها معظم الأطباء. وفتحت درج المكتب وأخرجت قرصا أبيض وقالت: خذ هذا القرص وتعال غدا!

واندهشت كيف أن علاج هذه الأوجاع قرص واحد. لا بد أن الطب السوفيتي قد تقدم كما تقدم في رحلات الفضاء. وفى اليوم التالي ذهبت إليها. ورفعت رأسها وانتظرت فقلت: غريبة لا أشعر بأي ألم.. فهل من الممكن أن أعرف ما هذا القرص السحري؟

قالت: إنه قرص من الدقيق!

وتساءلت إن كان الدقيق الروسي له هذه القدرة على العلاج. فأجابت بسرعة: لا قدرة له على أي شيء، إنما أنت لست مريضا بأي شيء. صح؟

فقلت: صح!

فسألت: لماذا؟

قلت: أبحث عن شيء أكتبه..

وابتسمت فقد انتصرت وابتسمت وقد خجلت! ولكن كتبت!