كيد الرجال!

TT

لم أكن لأصدق أن كيد الرجال يوازي كيد النساء حتى تعرضت له مرتين في أسبوع واحد. كان الأمر متعلقا بهزيمة كروية أصابت الفريق المصري في الجزائر، وهي مسألة غابت عني تماما لبضعة أيام.

من يعرفني من الأصدقاء يدرك أنني لا أتابع مباريات الكرة لا الدولي منها ولا المحلي، خوفا من الجنون الذي يعتري المشجعين، وخوفا من العنف الذي يتلبس المهزومين، وحزنا على الأموال التي تهدر في تكريم اللاعبين والمدربين. فقد قرأت مرة أن البريطاني ديفيد بيكام يتقاضى مليون جنيه أسبوعيا أو ما يزيد عن عمله في تدريب فريق أميركي، علما أن أمهر الجراحين الذين ينقذون حياة البشر لا يطمحون إلى عشر هذا الأجر عن أصعب العمليات الجراحية، لكن هذا هو حال الدنيا.

المهم هو أنني توجهت قبل أيام إلى سوبر ماركت يبيع المأكولات العربية في لندن. وما أن رآني البائع حتى هلل بالتحية ثم انبرى يسخر من هزيمة حاقت بالمصريين على ملعب الكرة في الجزائر. ولبضع ثوان لم أفهم مغزى الكلام حتى رأيت ابتسامته العريضة ونظرة عين لا تدعي البراءة من الكيد والشماتة، لكن قبل أن أقول له أن يوفر جهده لأنني لا أتابع المباريات، قررت أن اذكره بأننا كلنا عرب، وأن نصر الجزائر يسرني كما يسره.

ثم استمر مسلسل الكيد الكروي حين تلقيت في اليوم ذاته رسالة من مجهول على الإنترنت محملة بأزجال عن خيبة مصر في الجزائر. مرة أخرى أخطأ الكيد الهدف، لأن صاحب الرسالة لا يعلم أنني لا أتابع مباريات الكرة ولا أعاني من نعرات قد تصيبني في مقتل. هذا الموقف دفعني للتفكير في ما إذا كان كيد الرجل يختلف عن كيد المرأة. فمن المعروف مثلا، أن الزوجات يعتمدن أسلوب «لوي البوز» لكيد الأزواج، وفي الوقت نفسه تعرف كل الزوجات أن الزوج يحتمي بالجريدة اليومية كلما همت هي بفتح نقاش، وإن اعترضت قال: أنا سامع ما تقولين. فتضطر إلى الاستمرار في الكلام رغم أن إحساسها يؤكد بأنها تكلم نفسها. فمن غير المعقول أنه يسمع ما تقول وهو منكب على قراءة تحليل أسباب الأزمة الاقتصادية الراهنة في العالم.

استراتيجيات الكيد بأنواعه تتجاوز الحدود الجغرافية ولا تنتمي إلى وطن معين. والدليل على ذلك حكاية ذكرت في الصحافة البريطانية عن زوج دأبت زوجته على إنفاق كل رخيص وغال في العناية بحديقة البيت. ولم يكترث بأنها حصلت على جوائز محلية، لأن كثرة النفقات وإحساسه بأنها تفضل حديقتها عليه فجرت عنده رغبة بعقابها.

ذات صباح رأت الزوجة ما انخلع له قلبها حزنا وكادت تغيب عن الوعي. فقد أقدم مجهول على إتلاف العشب الأخضر وخلع الزهور من أحواضها تحت ستار الليل. وتصورت الزوجة أنه فعل جارة حاقدة وقررت أن تبلغ الشرطة.

وبالطبع استاءت الجارة وعزمت على أمر. فقد باتت ساهرة إلى أن رأت شبحا يتحرك في الظلام في حديقة الجيران. وبهدوء حملت بطاريتها وتسللت إلى الحديقة المجاورة وأشعلت الضوء في وجه المذنب، فإذا بها تكتشف أن الجاني هو زوج السيدة صاحبة البلاغ. بعد انكشاف الأمر طالبت الزوجة بالطلاق. غير أن القاضي رأى جانبا فكاهيا في الموضوع، فعقد صلحا بينهما وأمر الزوج بدفع تعويض مالي يمكن الزوجة من إصلاح التلف وأمر الزوجة بالاهتمام بزوجها.