لؤم وتوحش

TT

ذات يوم في بدايات الحرب اللبنانية تلقيت مكالمة من شقيقي منير طالبا مني العودة فورا إلى البيت، لأن الدكتور جورج حبش قد اغتيل والبلد سيحترق. وبعد دقائق تلقيت مكالمة من زوجتي تقول إنها سمعت بأن الرئيس رشيد الصلح قد قتل. وقد توفي الدكتور حبش على سريره بعد 35 عاما ولا يزال رشيد الصلح مدعوا له بالصحة وطول العمر.

في لبنان، في كل وقت، مصنع قذر للإشاعات التي لا ترحم لأن الذين يقفون خلفها مجرمون. وفي الانتخابات الأخيرة تناول السفلة والرعاع حياة أحب الناس ووزعوا إشاعات الموت في زجاجات من العطر السام. ويتكل مرتكب الإشاعة عادة على غباء ناقلها. فأكثر الذين يسمعون الإشاعة يتكفلون نقلها في سرعة مع استعداد للقسم على صحتها. بل أحيانا يدعون معاينتها. وكنت قد كتبت قبل أسابيع أن دور شاهد العيان قد انتهى في الحياة العامة، فحذرني عربي كبير من أن في القول مبالغة شديدة. وتأكد لي ذلك في الأيام الماضية وأوادم لبنان يتعرضون لحملة إشاعات من زعرانه وساقطيه.

الخاسرون في لبنان يكرهون الحقيقة. لذلك تمتاز انتخاباتنا عن كل العالم بالإشاعات وبما يعرف «بالطعون» في نتائج الانتخابات. وحتى الآن أذكر أن «طعنا» واحدا قد أخذ به، يوم كان اللواء غازي كنعان يدير سياسات لبنان «برفع الأصابع» كما كان يقول. وجميع الطعون الأخرى لا تفيد إلا في تسلية أصحابها. وفي انتخابات 2005 قدم الجنرال ميشال عون عشرة طعونات انتخابية برغم كل ما حصد. وهذه المرة قدم طعنا خاصا في فوز حليفه بالأمس وخصمه اليوم النائب ميشال المرّ، وهو إحدى الزعامات في لبنان منذ 50 عاما.

إنها سياسة بث الشكوك حول كل شيء وفي جميع الناس. وهي مدرسة قديمة بدأت أيام الأغارقة كجزء من الفلسفة وانتهت جزءا من العمل الحزبي النازي والسادي والهتلري. ويقضي الكذب المتكرر أن تشكك في كل مزايا خصمك وأن ترفع كل نواقصك. والاعتماد دائما على نفسية الجماهير التي تصدق ما تريد أن يكون لا ما هو كائن.

ليس ما هو أسهل من العبث بعقل الجماهير. إنها تصفق منذ أيام روما لنفس الشعارات ونفس الكلام. تأمل في جمهرة جائعة من الناس جاءت تطلب عملا وخبزا فيقف فيها الزعيم معلنا أنه لا بد من حكم الشعب. وتلتهب الأكف. ولا عمل ولا خبز ولا شعب!