لسبب ما لم يكملوا ما بدأوا!

TT

لسبب ما نبدأ عملا ثم لا نكمله: مللا.. نقصا في المعلومات.

عندي حقائب امتلأت بأفكار ومشاريع.. مشروع رواية.. مذكرات سياسية.. مذكرات شخصية.. نظريات فلسفية.. أو بالضبط أو هذا السؤال: ما الذي أردت أن أقوله في 187 كتابا؟

وأنظر إلى هذه الحقائب في حزن شديد.. فلا أعرف متى أنجز هذه الأحلام.. ولو تركتها فلن يستطيع أحد قراءتها.. فأنا أكتب بسرعة فتتساقط الحروف والنقط من فوقها ومن تحتها..

وأشهر هذه التجارب: قصة عنوانها «عريس فاطمة». وهي حكاية فتاة مستقيمة لم تفلح في أن تتزوج بسبب هذه الصفات.. أو لصعوبة التفاهم معها. وندرة الذين يستحقونها.. ووقفت القصة.. وتركتها عشر سنوات. ثم فكرت في أن أكملها. ووجدت طريقة وهى أن أبطال هذه الرواية يحاكمونني ويتهمونني بأنني جعلت كل شيء صعبا. ولذلك لم يستطيعوا أن يخطوا خطوة واحدة. وبقى كل شيء معلقا. وما كان من أبطال الرواية إلا أن حاكموني وأدانوني ونفذوا حكم الإعدام في المؤلف الذي جعل حياتهم مستحيلة. وانتهت الرواية!

وظهرت على الشاشة بعد أن أدخلت تعديلات أخرى عليها..

أما بقية المشاريع الأخرى: عشرون.. ثلاثون.. فقد كتبتها على شكل فهارس وخرائط ومعادلات.. وتركتها إلى من يعنيه الأمر.. والأمر لن يعني أحدا!

أستاذنا توفيق الحكيم كتب بالفرنسية مسرحية اسمها «فاوست». وفكرت في ترجمتها فوجدت ذلك مستحيلا لأنها إلحاد على درجة عالية جدا. وكان هذا هو الجزء الأول، أما الثاني فلم يشأ أن يكتبه. وقد سلمني توفيق الحكيم هذه المسرحية وهو في المستشفى.

والرئيس عبد الناصر كتب مشروع رواية ولم يكملها. وأجريت مسابقات لإكمالها. وتبارى الأدباء..

نكتة تاريخية: كل حاكم يريد أن يكون كاتبا. وكل كاتب يريد أن يكون حاكما.. فالحاكم يريد أن يجمع إلى القوة الفكر. لتكون قوة واعية.. وكل كاتب يريد أن يكون صاحب قوة لينشر أفكاره..

أو بعبارة أخري الفيلسوف يريد أن يكون ملكا. والملك يريد أن يكون فيلسوفا. ولذلك كان الفيلسوف أرسطو إلى جانب الإسكندر الأكبر، والفيلسوف روزنبرج إلى جانب هتلر، والشاعر داننسيو إلى جوار موسوليني، والأديب مالرو إلى جانب ديجول..

وكان الأديب كوكتو يحتفظ بعملة ذهبية: على جانب منها صورة الإسكندر الأكبر والجانب الآخر صورة أرسطو وهو ما لم يحدث أن اجتمع الاثنان في شخص واحد!