أزمات نجاد: الانتفاضة الداخلية

TT

المفاجأة هي لو أن مرشحا آخر غير أحمدي نجاد صار رئيسا لإيران، أما أن يتوج رئيسا للمرة الثانية فهو المتوقع والعادي جدا في ظل الوضع القائم. تزوير النتائج أهون الأعمال على نظام أمني ديني لا يؤمن بالفرص والحظوظ فيما يعتبره حقه، ويرى كسب الانتخابات معركة مصير للنظام، مستعد من أجلها أن يقاتل لا أن يزور فقط.

ولا يستوجب الأمر الشكوى مما حدث، كما لا ينبغي أن نبني آمالا متعجلة على الغضب المتنامي في الشارع الإيراني، لأن المواجهة ساقطة بين الجانب الرسمي والشعبي، والنتيجة معروفة سلفا. هذا على الأقل في الوقت الراهن أما مستقبلا فلا ينبغي أن نتجاهل حقيقة أن دمل الاحتقان قد انفجر، ورغم سعي النظام لقطع خطوط الإنترنت، وتعطيل الرسائل الهاتفية، من أجل عزل الشباب الغاضب عن التواصل، فإن العالم كله يتفرج بالصوت والصورة على محنة النظام الداخلية، فهو أمام انتفاضة داخلية.

حتى الآن، المحنة داخلية، إنما الأرجح أن يكرر نظام طهران نفس سلوك الأنظمة المنتصرة قهرا. سنرى حكومة نجاد تنقل أزمتها الداخلية إلى الخارج، تدفعها ثقة الانتصار الموهومة إلى وراء الحدود، تقريبا نفس السيناريو العراقي في عهد صدام. فالديكتاتورية عقلية أزمة، وتعتاش على الأزمات.

وما رأيناه في انتخابات إيران لم يكن إلا صراعا عائليا انتصر فيه كالعادة القابض على السلاح بينهم. وأخشى أن الآتي أسوأ من تزوير النتائج، حيث سنشهد لاحقا تصفيات داخلية تحت ذرائع مواجهة المؤامرات. الانتخابات ربما سرعت بالمواجهات داخليا وخارجيا، وهذا يعني أننا أمام حقبة مختلفة من تاريخ إيران الحديث. حقبة حاسمة للنظام، حيث إنه يواجه لأول مرة منذ الثورة قبل ثلاثين عاما انتفاضة داخلية يقودها رموز الحكم مثل هاشمي رافسنجاني ومير موسوي ومهدي كروبي.

والفارق بين اليوم والأمس القريب، عندما كان محمد خاتمي رئيسا، أنه تم تقييده إلى الكرسي الذي فاز به في مسابقة عادلة، جعلوه مجرد رئيس شكلي، ولم تتعد احتجاجات أتباعه حرم الجامعة. اليوم الرموز القيادية المعارضة أكبر من خاتمي، والمتظاهرون صاروا خارج الجامعة إلى شوارع العاصمة، ومن هنا انتهت أيام النظام الذهبية عندما كان الشباب عماد الثورة، اليوم صاروا شوكة في حلق الثوار. والنظام يسير في طريق سابقه، نظام الشاه الذي سقط ليس بسبب معارك أسلحة، بل نتيجة التكتل الشعبي المتزايد حتى ضاقت السجون بالموقوفين والشوارع بالمتظاهرين.

ولا نبني توقعات كثيرة بالتغيير السريع من الشارع لأن الحرس الثوري يطبق بيد من حديد على كل مناحي الدولة، ويدعي أنه خيار الشعب، لكن النظام يواجه شرخا خطيرا مع مواطنيه، لهذا كما قلت في البداية قد ترونه يعمد إلى تخوين مخالفيه، وربما يلجأ إلى معارك خارجية ليعزز قبضته.

[email protected]