من يريد حل القضية الفلسطينية؟

TT

أنا أعرف تماما أن الإسرائيليين لا يريدون حل القضية الفلسطينية، وربما هذا ما يعرفه ويقتنع به كثيرون، لكن ما يجب أن نتساءل عنه: هل يريد العرب حل القضية الفلسطينية؟ المؤشرات لسلوك الكثير من الدول العربية وكذلك الحركات المقاومة والممانعة والمعتدلة لا تنبئ بأن هؤلاء يريدون حل القضية أيضا. القضية الفلسطينية قضية دولية لا تحلها إلا دول، وعلى الفلسطينيين أن يختاروا من الدول من يساعدهم، لا من يضعهم في إطار الحركات المارقة. ومع ذلك فلا ضير من أن نطرح السؤال الأهم: من يريد حل القضية فعلا، ومن يريد أن يتاجر بها؟

ولنبدأ بأصحاب الشأن أنفسهم وهم الفلسطينيون، ونسأل هل سلوك الفصائل الفلسطينية المختلفة وتناحرها هو مؤشر لرغبة في الحل، أم أنها رغبة دفينة لبقاء الوضع على ما هو عليه؟ فالسيدان إسماعيل هنية وخالد مشعل حتى الآن لم يظهرا من النضج السياسي ما يمكننا من القول بأنهما راغبان في الحل لا راغبان عن الحل. بلا شك، إن ما تقوم به إسرائيل من احتلال وبناء مستوطنات وعزل لإخوة لنا في فلسطين مدان مئات المرات، وظني أنه لا يوجد عربي واحد يؤيد هذه الغطرسة الإسرائيلية، ولكن هل إدانة إسرائيل تمثل في الوقت ذاته صك براءة وغفران لكل الحماقات التي ترتكبها الفصائل الفلسطينية في حق شعبها وقضيتها؟ ظني أن العقلاء منا لا يقبلون بأن تبقى هذه القيادات الفلسطينية خارج دائرة النقد.

ففي تصريحات خالد مشعل الأخيرة من القاهرة ما تقشعر له الأبدان، إذ من الواضح أن الرجل محاصر بهاجس «الإخوة الأعداء» في رام الله أكثر من قلقه من إسرائيل، فتسمعه يتحدث عن المعتقلين في رام الله من قبل حركة فتح أكثر مما يتحدث عمن اعتقلتهم إسرائيل. المخيف في هذه التصريحات أنها مؤشرات لرجل لا يطمع في تحرير الأرض بقدر ما يطمع في سيطرة حماس لا فتح على النضال الفلسطيني، نضال حصري تقوده حماس، وما عدا ذلك من الفلسطينيين فهم جماعات من العملاء والخونة.

وليسمح لي الإخوة المشايخ في حماس أن أقول لهم إن القضية الفلسطينية لن ترى طريقها إلى الحل، سواء كان رئيس الولايات المتحدة هو باراك أوباما أو قديس مخلص، ما لم يتوحد الصوت الفلسطيني وما لم يلتف الفلسطينيون حول قيادة موحدة. فلا يوجد عاقل في العالم يدير مفاوضات على مستقبل دولة مع جماعتين مختلفتين كما هو الحال اليوم بين حماس وفتح. حل القضية الفلسطينية اليوم هو في يد الفلسطينيين أكثر من كونه بيد غيرهم.. فـ«إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم».

سلوك «حماس» لا يقلق أميركا وحدها، وإنما يقلق بعض الدول العربية أيضا. فحماس اليوم تنظر إلى «حزب الله» على أنه النموذج للمقاومة، لكن ربما حدود «حزب الله» اليوم لا ترضي خالد مشعل، وخصوصا بعد الانتخابات اللبنانية الأخيرة التي أحبطت آمال الكثيرين من أنصار الحزب.

الناس سواء في غزة أو في لبنان يريدون حياة أفضل في ظل دولة ذات سيادة تحترم آدميتهم. غزة لا تختلف عن لبنان أو عن مصر أو عن سورية في هذا السياق. الناس تعبوا من المقاومة التي لا طائل منها، فالمقاومة لا بد أن يكون لها هدف سياسي. الدول والحركات لا تحارب أو تقاوم إلا إذا كان هناك هدف سياسي من وراء الحرب أو المقاومة، وحتى الآن لم تقنعنا قيادات حماس بأن هناك هدفا معقولا تهدف إلى تحقيقه، فإذا كان الهدف هو القبول بقيادة مشعل وهنية كرمزين للمقاومة والشرف إلخ.. فإننا سنعترف لهما بذلك ولا داعي لتضييع الأرواح البريئة من أجل طموح محدود كهذا. أما إذا كان طموح كل من مشعل وهنية هو تحقيق حلم الدولة لشعبهما وأن يعيش هذا الشعب بكرامته كسائر الشعوب، فهذا نضال آخر يحتاج إلى استراتيجيات جديدة، وأولى هذه الإستراتيجيات هي خلق قيادة موحدة للدولة الفلسطينية القادمة، قيادة مقنعة للأعداء الذين سيتفاوضون معهم ويسلمونهم الأرض. فمن السهل إقناع الأصدقاء، ولكن حل القضية يحتاج إلى إقناع الأعداء أولا. ولكن سلوك حماس في القاهرة وفي دمشق لا يبشر بأن الفلسطينيين مجتمعون على قلب رجل واحد.

على حماس أن تقبل بدور أشبه بدور «حزب الله» في لبنان اليوم. فـ«حزب الله» قد أصبح حزبا سياسيا مسلحا يسعى جاهدا كي يكون ضمن المعادلة السياسية اللبنانية الداخلية بصيغة تحفظ له سلاحه، وهو سلاح بالطبع غير مجد إذا كان موجها إلى إسرائيل في وجود قوة متعددة الجنسيات تفصل بين طرفي النزاع، وفي الوقت نفسه هو مصدر قلق للمنافسين اللبنانيين في العملية السياسية.. ولكن ما يحسب لصالح مشعل في القاهرة هو تصريحه حول علاقة حماس بالإخوان المسلمين في مصر، حين قال إنه لا ينسق مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر. المصريون، وبصراحة، يقلقون من خلط الأوراق ما بين التوتر الإقليمي والوضع المصري الداخلي، فإن أي سلوك يوحي بأن إخوان مصر ينسقون مع غزة، سيكون له معنى واحد لا غير وهو أن النظام المصري قد حوصر بالإخوان من الداخل وبالإخوان من الخارج القريب وهو غزة، وهذا أمر مقلق لمصر تماما.

في ظل هذه المعطيات المرتبطة بخصوصية الوضع الفلسطيني ووجود إسرائيل كقوة جاثمة على صدره، وبالنظر إلى تجارب الإخوان المسلمين غير الناجحة في الدول العربية، أقول للسيدين مشعل وهنية، إن الوضع السياسي العالمي قد تغير بوجود باراك أوباما في البيت الأبيض، وإنه لن يكون هناك وضع سياسي أفضل للعرب، وللفلسطينيين تحديدا، مما هم عليه اليوم. فليكن الفلسطينيون مرنين مع باراك أوباما إذا أرادوا حلا لقضيتهم، وليوحدوا قيادتهم، ويلتزموا بوقف العنف والعودة إلى طاولة المفاوضات المرتكزة على حل الدولتين الذي طرحته المبادرة العربية، دولة فلسطين ودولة إسرائيل. على حركة «حماس» أن تفهم جيدا هذه المرة أن لا مناص من العودة إلى الحوار مع السلطة الفلسطينية في رام الله وتوحيد الصف الفلسطيني، فلا أحد في المجتمع الدولي سيسعى إلى إقرار حل ثلاث دول، وعلى إسرائيل أن تفهم جيدا أيضا هذه المرة أنه لا بد من قبولها دولة فلسطينية إلى جوارها فلقد انتهى عهد المماطلة، ونعرف مسبقا أن إسرائيل لن تقبل من دون ضغوط عالمية قوية.

الفرصة سانحة اليوم، وعلى الجميع أن يعيدوا ترتيب أوراقهم بشكل بالغ وراشد يتخلى عن مراهقات الحركات الثورية وينتقل إلى رشد الدولة.. هذا إذا كان هناك من يريد فعلا حل القضية الفلسطينية.