بيقولوا «محير» بلدي!

TT

إذا تخلينا عن قراءة المشهد السياسي في لبنان بعيدا عن لغة الفائز والخاسر، وحاولنا مجرد التمعن في المرحلة القادمة بخيرها وشرها وحلوها ومرها بقدر الإمكان لاتضح الآتي:

إن النتيجة التي آلت إليها الانتخابات في لبنان ما كانت لتحدث لولا «تعاون» و«تفاهم» سعودي ـ سوري من النوع الاستثنائي. هناك رغبة مشتركة للوصول إلى «هذه» النتيجة تحديدا لأن فيها توازنا مطلوبا ورسائل ضرورية. أحداث لافتة حدثت قبل الانتخابات وخلالها تستدعي الوقوف قليلا والتمعن فيها. تقرير المجلة الألمانية «دير شبيغل» كان له دور معنوي لا يمكن إغفاله في تخفيف حدة الاتهام واللغة الشديدة باتجاه دمشق من أنصار الرابع عشر من آذار بشكل واضح وإدراكها أن الجاني والمتهم «من الممكن» أن يكون من غير سورية، وخلال يوم الانتخابات حضر 4000 ناخب من سورية بالحافلات وكان من المتوقع أن يصوتوا لصالح 8 آذار، ولكنهم صوتوا لصالح 14 آذار في إشارة لا يمكن إغفالها عن «رغبة» سورية للوصول إلى النتيجة التي وصلوا إليها. سورية، والاتجاه «العلماني» لنظام الحكم فيها، لا ترغب في تقوية ووصول تيار أصولي متشدد للحكم في دولتها المجاورة وبالتالي «حد» حزب الله سيكون المقاومة وليس الحكم، أما عن ميشال عون فهي تعلم تماما أن ورقته باتت محروقة وأن نهجه المتوتر أضاع هيبته وجدارته لتكوين تيار وطني عام يجمع اللبنانيين حوله بدلا من تمزيقهم وتخويفهم وتخوينهم بشكل بات مهينا وغير مقبول. هذا المشهد «الجديد» الذي يتجه نحو رئيس وزراء جديد في هيئة سعد الحريري الذي فاز في هذه الانتخابات بجدارته الشخصية وأثبت أنه زعيم لبناني جديد له بصمته الوراثية الآخذة في التميز والتطور والاستقلال بتدرج واضح (وقد يكون هناك رئيس جديد للبرلمان وإن كان هذا غير مرجح مع أنه مطلوب جدا) لن يكون غريبا رؤية سعد الحريري كرئيس وزراء لبنان وهو يجلس إلى جوار الرئيس السوري بشار الأسد في قصر الشعب بدمشق في مشهد يبدو أقرب للخيال، ولكنها السياسة اللبنانية التي دوما ما تفاجئ المتابع لها بكل ما هو غريب ومختلف متذكرين منظر وليد جنبلاط إلى جوار الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد بعد اغتيال كمال جنبلاط بفترة وجيزة جدا.

نعم هناك قراءة جديدة مطلوبة للمشهد اللبناني ولا شك قراءة تستدعي معرفة اتجاه البوصلة الجديد «مؤقتا» على أي حال، هناك تحالفات متطورة تعقد ووجوه انتهت صلاحيتها وأدت الدور المطلوب منها. رئيس الجمهورية سيزداد قوة كمنصب ومكانة، والجيش والأمن باتا ضمانة استقرار وعنصر طمأنينة مكتسبين هذه المكانة من الجمهورية والشارع وهذه مكانة من الصعب زعزعتها. الشعارات واللافتات ستخف قليلا لصالح خطط التنمية وهي التحدي القادم. لبنان قد يكون نقطة انطلاق ونسمة أمل في منطقة غاب عنها الأمل لفترة غير قليلة. سورية كسبت هدوء الساحة في لبنان لأجل التفرغ لملفات أهم وأدق: تشمل الجولان والعراق المجاور المضطرب وتحدي التنمية الداخلية. عموما هذه مجرد محاولة قراءة في فنجان طلاسم السياسة اللبنانية وهي أصعب فنجان يمكن قراءته!

[email protected]