انتخابات إيران خادعة

TT

ما بين خصلات شعر عسجدية تغالب حجابها فتظهر مرة وتحتجب مرة في تجمع انتخابي للمرشح مير حسين موسوي، وبين الشادور الذي يغطي كامل جسد فتاة إيرانية أخرى في تجمع انتخابي آخر للرئيس المنتصر أحمدي نجاد، تستطيع أن تختزل الفوارق غير الجوهرية بين المرشحين للرئاسة الإيرانية، هو في الحقيقة خلاف بين تيار ديني متشدد وبين تيار ديني أقل تشددا، بين تيار نجاد ذي الجرعة الأيدلوجية المكثفة وبين تيار خاتمي ذي الجرعة الأيدلوجية الأقل كثافة، الكل رضع من أدبيات الثورة الإيرانية وملهمها الخميني وشبع من لبنها، والكل قاتل لها ومن أجلها، والكل لا يرضى بها بديلا والكل يريد أن يسوق لفكرها وأيدلوجيتها في كل قطر وقرية، والكل يريد لإيران أن تكون الأقوى في المنطقة، والأكثر انتشارا، والأسرع نفوذا والأجدر بـ«كابتنية» لاعبي السياسة في منطقتنا الملتهبة، والكل يريد لإيران أنفا طويلا تحشره في كل بلد في الدنيا، والكل يريد أن يرعب دول المنطقة بالفزاعة النووية، وبعبارة أدق فمصلحة تشخيص النظام يستحيل أن تفسح المجال لصرا ع الانتخابات الرئاسية لمن لا يملك الحد المقبول من الولاء المطلق للثورة ناهيك عن المترددين في دعمها فكيف بمن يخاصمها، ولهذا غربلت مصلحة التشخيص المتقدمين الأربعمائة فتساقطوا إلا أربعة.

جربت إيران زعامة الإصلاحيين مثل الرئيس خاتمي، والمحافظين بأشهرهم أحمدي نجاد، فما شعر الإيرانيون ولا غير الإيرانيين بأي فرق يذكر، فلو عشت في حقبة هذا الإصلاحي أو ذاك المحافظ فلا اختلافات جوهرية، فملف حقوق الإنسان في العهدين لا يشرف، والتعامل السيئ مع ملف الأقليات العرقية والمذهبية من ثوابت المحافظين والإصلاحيين، وقل نفس الشيء مع الاعتقالات السياسية واغتيالات المعارضين لأسباب سياسية أو مذهبية، وحالات التعذيب والسجون المكتظة، ووتيرة التدخلات في الدول الإسلامية وإثارة القلاقل لا تتغير إلا إذا تغيرت سياسة الحزب الجمهوري في أميركا عن سياسة الحزب الديموقراطي حيال الصراع العربي الإسرائيلي، نعم.. المحافظون أطول لسانا من الإصلاحيين، ولهذا كان نجاد ذكيا عندما غطى إخفاقاته في الشأن الاقتصادي بالتشكيك في المحرقة وتهديد إسرائيل بإهلاكهم بالنووي، وأميركا تطمئن إسرائيل بـ«أبشر بطول سلامة يا مربع»، وأما الإصلاحيون فهم أطول نفسا وأبعد نظرا، وإلا فالقطاران الإصلاحي والمحافظ يسيران صوب محطة واحدة وكل الزعيق الذي سمعناه تمحور فقط حول مقدار السرعة ونوع الوقود.

صراع الانتخابات الرئاسية الإيرانية يبدو للوهلة الأولى مبهرا، فهناك تنافس حقيقي بين مرشحين مؤثرين، وهناك مناظرات تلفزيونية حقيقية ومثيرة، ومشاركة شعبية ساحقة، ونتائج عصية عن التخمين إلى آخر لحظة، ونسبة فوز نتائج المنتصر معقولة ومقبولة وليس فيها نسبة 99% العربية الشهيرة، لكن يظل هذا كله جلدا ناعما لديموقراطية مشوهة.

سيقول الكثير من المناصرين للثورة الإيرانية إن الدول العربية قاطبة تظل عاجزة أن تسمح بانتخابات رئاسية كتلك التي جرت في إيران أخيرا، وهذا صحيح، لكن الصحيح أيضا أن الدول العربية تدرك في قرارة نفسها أنها إذا أجرت انتخابات رئاسية فهي في الحقيقة شكلية وللتسويق الإعلامي، ولهذا لا نستغرب سوء ملفاتها في موضوع حقوق الإنسان، أما إيران فقد ذرت بهذه الانتخابات الرئاسية رمادا كثيفا حجب ملفها السيئ في تعاملها مع المعارضة السياسية والأقليات العرقية والمذهبية، فمن السذاجة أن نختزل الديموقراطية في انتخابات رئاسية يتسابق عليها وجهان لعملة أيدلوجية واحدة.

[email protected]