«الهنداوية».. من صناعة النجوم إلى عالم الرواية!

TT

في كل مرة اعتزم الحديث عن سيكولوجية حي «الهنداوية» بجدة، الحي الذي دخل عالم الرواية السعودية، وسكنه فنانون كمحمد عبده، وسامي إحسان، وعلي عبد الكريم، وعمر كدرس، وعلي هباش، وإعلاميون كهاشم عبده هاشم، وبدر كريم، وعلى خالد الغامدي، ومحمد عبد الواحد، وأدباء كعبده خال، وهناء حجازي، وزينب غاصب،، ورياضيون كسعيد غراب، وعبد الله حجازي، وأحمد عيد، وغازي ناصر، وحسن مجلجل، وعبد المجيد، وعبد الرزاق، وعبد الله بكر، وغنيمة الحربي، أجد نفسي عاجزا عن إدراك سر ارتباط ذلك الحي بالإبداع والمبدعين، فليس من قبيل الصدفة أن يتجمع كل ذلك الحشد من النجوم في ذلك الحي البسيط المتواضع، وما أستطيع قوله الآن أن كل مناخات الحي آنذاك تحرض على تنمية المواهب، فثمة «برحات» كثيرة خالية شكلت ملاعب للكرة، وثمة فرح طافح جعل احتفاليات ذلك الحي مهرجانات فنية أبرزت الكثير من المواهب الغنائية والموسيقية، وثمة حكايات مدهشة في الكثير من الطرقات والبيوت حفزت ملكة التعبير، وثمة أخبار يومية مثيرة حرضت البعض على نقلها إلى الصحف.

وفي مرحلة من عقد الستينات من القرن الماضي ارتقى ذلك الحي لأن يكون عاصمة السينما في المدينة، فتحولت الكثير من «أحوشة» الحي إلى دور عرض سينمائية مفتوحة، يقصدها المئات ليلا، وأكسبت السينما سكان ذلك الحي ثقافة لم تكن متاحة لدى غيرهم في ذلك الوقت، فعرفوا الناصر صلاح الدين، وشاهدوا ـ على الشاشة ـ روايات نجيب محفوظ، وإحسان عبد القدوس، ومحمد عبد الحليم عبد الله، وغيرها من روائع الروايات العربية.

ذلك الحي الشهير نشأ في بداياته من تمرد جدة على سورها العتيق في نهاية عقد الأربعينات من القرن الماضي، وضم خليطا جميلا من المنعتقين من سور المدينة، والقادمين إلى الحي من جنوب البلاد، وشرقها، ومن أقاصي اليمن، وفي ذلك الحي البسيط عشنا سنوات طويلة في «التبات» و«النبات»، وخلف البعض «صبيانا» و«بنات». وفي موسم الهجرة إلى شمال المدينة يوشك حينا العتيق «الهنداوية» أن يخلو اليوم من الكثير من أسباب أنسه وناسه، فلم يتبق من زمنه الجميل سوى رواية يكتبها عبده خال، أو قصيدة تترنم بها زينب غاصب، أو حزمة ذكريات يسردها بأسلوبه الظريف محمد عبد الواحد!

[email protected]