عالم العزاب

TT

معظم المتطفلين على موائد العزاء والأعراس عزاب بدون عوائل. خلفت صعوبات الزواج في هذه الأيام عددا كبيرا من العزاب. وأصبح الكثير منهم يعيشون حياة الوحدة في غرف حقيرة من المسافرخانات ودور الإيجار. لا يستطيعون إعداد الطعام لأنفسهم أو تسوق المواد الغذائية من الدكاكين. وبانتشار البطالة العامة، عجزوا عن الأكل في المطاعم والفنادق ودفع فواتيرها. هكذا اهتدوا إلى فكرة التطفل على حفلات من كانوا أكثر حظا منهم في الحياة.

بازدياد الموت في عالمنا العربي نتيجة كل هذه الحروب والإرهاب والتقاتل، ازدادت مجالس العزاء وأخذت ولائمها تشكل نوعا من الضمان الاجتماعي يعطي العزاب العاطلين وجبة يومية مجانية. لم يعد البحث عن وظيفة أو عمل شيئا مجديا لمن ليس لديه واسطة. الأفضل أن تبحث عن وليمة عزاء أو جنازة فيها كعك.

الجميل في التطفل العزائي أنه لا يتطلب دعوة ويعتبر نوعا من الطقوس الدينية يشارك فيها المسلم وغير المسلم كمعروف بل وتكرم منه. لا يشترط فيه أن يكون على معرفة بالفقيد أو بأهله. سألوا طفيليا هل تعرف الميت؟ قال لا. قالوا هل تعرف أحدا من ذويه قال لا، ولكنني أعرف هذا، وأشار إلى شيش الكباب الذي في يده.

وسألوا آخر كيف تشارك في هذه الوليمة وأنت لا تعرف أحدا منهم؟ قال أفعلها للأجر. وكان في هذا الجواب في الحقيقة يعتبر نفسه متصدقا عليهم وعلى فقيدهم. إنه أجر وعلى الميت أن يسدد ذلك له في يوم القيامة.

رحم الله من قام بعمل وأتقنه. ويعني هذا أن صناعة التطفل تتطلب من الطفيلي الممتهن أن يتقن كيف يسلك في هذه المناسبات. يطأطئ رأسه، ويهزه يمينا ويسارا في أسى كلما جاء ذكر الآخرة، ويكثر من الترحم على الميت، ويشيد بفضله على الناس دون أن يخوض في التفاصيل مما لا يعرفه ولم يسمع به. رأيت في الواقع أحد الطفيليين ينفجر بالبكاء بدموع حقيقية كلما جاء ذكر الفقيد حتى أسعفه أحد الحاضرين بمنديله ليكفكف دموعه. فعل ذلك ثم دس المنديل في جيبه. من ذلك أيضا، الويل للطفيلي الذي ينسى المسبحة في بيته ويجلس في العزاء بدونها.

ولائم المآتم فرصة لأسرة الفقيد تستعرض فيها ثروتها وقدراتها، وبالتالي تعطي فرصة طيبة للعزاب العاطلين والمحرومين ليذوقوا ما لم يعرفوه في بيوتهم الحقيرة من أنواع الكبة والمرق والحساء والسكاكر. وفي أكثر البلدان العربية ارتبطت ولائم المآتم بأكلات خاصة. منها أكلة «الطرشانة» التي شاعت في المآتم العراقية، وهي طبق من المرق باللحم مطبوخ بالمشمش والإجاص والزبيب الأحمر مما يعطي الطبق مذاقه الحلو. تسمع الأرملة تقول: «المرحوم زوجي كان يحب الحلا». فتصنع له الطرشانة في مأتمه ليتمتع بها في جدثه فلا يشعر بحرمانه منها.

www.kishtainiat.blogspot.com