هذا ما يريد الخُمينيون تصديره.. والأسوأ قادم

TT

(خبصونا) بتجربة الثورة الإسلامية، فجاءت الانتخابات، بما تخللها من تراشق بالكذب والفساد والتزوير والتمرد، بين كبار مسؤولي الثورة والدولة، والتهديد باستخدام القوة، لتظهر الوجه المراد تصديره، ولتدحض روايات غابرة أرادوا تسويقها، بعد أن صبغوا الحاضر بما تراشقوا به. ما جرى في (ملحمة) الجمعة يستحق التوقف والدراسة، ليس لأنها فضحت المستور من فساد فحسب، بل لكشفها حالات التمرد على النظام وفلسفة الخميني نفسها. فاصطفاف ملايين الشباب إلى جانب موسوي، لم يحصل إلا بوحي الشعور بالإجحاف والتعسف والخرافات. ووجدوا فيه فرصة للتأسيس لثورة قد لا تبقى بيضاء. ولولا قوة الباسداران الذي لوح بسحق ثورة شعبية، لتحولت جمعة الانتخابات إلى أكثر سوادا من الجمعة التي اتهموا بها الشاه، ولتطورت إلى ثورة تطيح، ربما، حتى بمن دفعوا إليها.

انتخابات لا يسمح للترشح بها للرئاسة، إلا لمن هو (حريص) على شيعيته ويؤمن بولاية الفقيه، لا يمكن أن تعكس وجها ديموقراطيا، لأنها تجعل الآخرين مواطنين من الدرجة الثانية، وهذا هو حال معظم الكرد وغيرهم من أقليات ومن قوى التقدم بما في ذلك الفرس، ممن تتكون منهم دولة إيران. وإذا نجح المتشددون من الخُمينيين في فرض وجودهم بالقوة حتى الآن، وأثبت الحرس الثوري التزاما قويا بنهج المرشد الأعلى، فإنهم لم يتمكنوا من حجب حقيقة الأوضاع الداخلية المتحركة، في كافة مجالات الحياة، وفي مقدمتها الصعوبات الاقتصادية، التي لن تجد حلولا لها في ظل التكلس المتزايد. والعالم ليس معنيا بتقديم حلول لمعضلات سببها متشددون، طالما لم يقدموا على تفكيك عقد نسيج علاقاتهم الخارجية. وإذا ما تطورت الأوضاع باتجاه التوتر فسيضطرون إلى نقل حتى أفراد تشكيلاتهم البحرية لحراسة نظامهم داخل المدن.

تظاهرة الإصلاحيين الانتخابية جاءت نتاج الخوف على مصير إيران وسمعة ومستقبل رموزهم أيضا، ويفترض عدم الانصياع لمنطق القوة والتسليم، بل الاستعداد لتطوير التيار من حالة غير منظمة إلى واقع يفرض وجوده السياسي المنظم، خصوصا بعد التراشق غير المعتاد بين نجاد وآية الله رفسنجاني، الذي يعتبر الموجه الأول لحركة الثاني عشر من يونيو. وإذا ما طور رفسنجاني موقفه وترك موقعه كرئيس لمجمع تشخيص مصلحة النظام، تأسيسا على عدم قدرة نجاد على تحديه لولا إيحاء من المرشد، فسيزداد تأثيره في المعادلات وفي حركة الشارع، حيث لم يعد بقاؤه مبررا، هو وخاتمي وموسوي، كجزء من فلسفة وهيكلية نظام تقاطعوا معه سلبا، ولو متأخرين، طالما لم يتمكنوا من زحزحته عن مواقفه المخالفة للإجماع الدولي، وإلا فإن ما يقوم به النظام يسجل عليهم كما يسجل على الفاعلين الأصليين مهما كانت نياتهم. لقد دخلت إيران مرحلة التغيير، شاء المتشددون أم رفضوا، فإن قبلوا سارت الأمور وفقا لحركة التطور الطبيعي، وإن وضعوا المعرقلات أمام عجلات التطور، تدوسهم، ولن يستطيعوا قمع الشعوب كما فعلوا من قبل، خصوصا إذا ما أحسنت الأطراف المعنية وقوى المعارضة السياسية العريقة تصرفاتها، والتاريخ الشعبي الإيراني طويل ومزدهر بثقافات لا يمكن تحجيمها بأطر تعود إلى القرون الوسطى.

من محاسن تجديد ولاية نجاد، مساعدتها في وقف دوامة تفكير وانتظار المجتمع الدولي، وتحديد أفق الاحتمالات والخيارات الصعبة والكوابيس السيئة، بعد أن أصبح الحلم في تغيير النظام لنهجه خيالا. خصوصا في البرنامج النووي، الذي جعلت فضائح المناظرات الانتخابية تصديق ادعاءات إيران بمدنيته، كمشروع سلمي للطاقة، سذاجة ما بعدها سذاجة. وكلما تأخر الوصول إلى حلول جذرية زادت أعباء المحافظة على الرؤوس النووية في حال تعرض إيران لهزات سياسية وأمنية أو عسكرية كبيرة، وكلها احتمالات واردة، بعضها مرجح وليس بعيدا.

ما حصل، الجمعة، عكس حالة الوضع الإيراني المعقد، وهشاشة الأسس وضعف التماسك الوطني، في ظل نظام تعسفي متشقق من داخله من مستوى القيادات العليا إلى القيادات الدنيا، ولو سمح باحتفالات ومهرجانات، عدا ما تنظمه السلطة مركزيا، لنشبت حرب أهلية طاحنة. ونظام تحرسه القوة لا العدل والمساواة، لا يمكنه الاستمرار طويلا، وليتذكروا، وليدركوا أن أوضاعهم الداخلية أكثر خطرا عليهم من ضربات الطائرات والصواريخ.

وفيما يتشقق النظام من داخله، يظهر كتاب عرب وممثلو حركات يدافعون عنه، ويدعون أميركا لاحترام ديموقراطيته، طمعا بدعم لم يجلب لهم غير العزلة والدمار لشعوبهم. فمتى يستفيق هؤلاء ويستحون، فيما يجاهد الإيرانيون في سبيل حريتهم؟

سبحان الله، لقد انقلبت عليهم أفعالهم وليس أمامهم غير الانصياع لإرادة المجتمع الدولي، ولم تعد بضاعتهم صالحة حتى لمن هتفوا لهم ممن كانوا أتباعا لهم، بعد أن وجدوا أن تضحياتهم ذهبت هباء وعبثا.

[email protected]