أخطاء اقترفها تشيني

TT

يعتقد البعض أننا نولي قدرا كبيرا من الاهتمام لديك تشيني نائب الرئيس السابق، بينما يراودني الاعتقاد بأننا نوليه من الاهتمام قدرا أقل مما يجب. والملاحظ أنه خلال المواجهة المتوترة التي وقعت أخيرا بين أوباما وتشيني، تركز محور الاهتمام على الرئيس الحالي، لا نائب الرئيس السابق، وهو أمر متوقع. وبالنسبة إلى الأميركيين الذين يشعرون بارتياح لرحيله عن السلطة، فهناك ميل إلى التعامل مع تشيني بسأم وضجر. ومع ذلك، يعج الخطاب الذي ألقاه تشيني أمام «أميركان إنتربرايز إنستيتيوت» بالحجج المعيبة والأفكار الخاطئة، بحيث يصبح من الواجب تخصيص بعض الوقت لمراجعته وتفنيده. وخلال الخطاب، قال تشيني، الذي بات أشبه بدمية قشّية ترمي إلى التغطية على الإدارة السابقة: «هنا يكمن الخط الأكبر الفاصل في نقاشنا الحالي حول الأمن القومي. أنت تستعرض الحقائق وتخلص إلى أن الاستراتيجية الشاملة نجحت، وبالتالي يتعين الاستمرار فيها بأكبر قدر ممكن من اليقظة. أو يمكنك النظر إلى الحقائق ذاتها والتوصل إلى نتيجة مفادها أن هجمات 11 سبتمبر (أيلول) تشكل حدثا استثنائيا ـ وهو حدث منسق ومدمِّر ـ لكنه يبقى استثنائيا وليس كافيا لتبرير المضي قدما في جهود حرب مستمرة».

في الواقع، رغم أن أوباما أنشأ أسطولا خاصا به من الدمى القشّية، فإن الدمية القشّية التي يجسدها تشيني تتسم بقدر خاص من الخداع. ويزعم تشيني أنه نظرا إلى عدم وقوع هجوم إرهابي آخر، يجب الإبقاء على كل ما قامت به الإدارة السابقة دون تغيير، وكل من يخالف ذلك يحمل فهما قاصرا في معرفة كيفية مواجهة الإرهاب. لكن خطاب أوباما يؤكد على إدراكه «أن هذا التهديد سيلازمنا فترة طويلة وأننا يجب أن نستخدم كل عناصر قوتنا لهزيمتها»، والخط الفاصل الكبير بين أوباما وتشيني يتعلق بمحاربة الإرهاب وفقا للدستور والقيم الأميركية وعبر إخضاع تلك القواعد لضرورات الدفاع عن النفس.

وقد توجت المبالغة الخطرة في التقييم التي عبّر عنها تشيني بانتقادات كبيرة من كلا الجانبين فقال: «يبدو أن الإدارة تشعر بنوع من الاعتداد بنفسها في البحث عن منطقة وسطى في السياسة تتعامل بها مع الإرهاب، بيد أنه في مكافحة الإرهاب لا توجد منطقة وسطى، وأنصاف الحلول تبقيك نصف مكشوف. والتثليث استراتيجية سياسية لكنها ليست استراتيجية أمن قومي».

إذا لم تكن هناك منطقة وسطى، فلماذا وضعت قيود المعلومات التي تؤخذ من طرق الاستجواب المطورة؟ ولماذا لم تسجل كل المحادثات؟ ولماذا مُنح المعتقلون حقوقا قانونية؟ قد يكون تحديد التوازن الملائم بين الحرية والأمن صعبا، ويمكن للعقلاء الاختلاف حول الخطوط التي يجب رسمها. لكن وجهة نظر تشيني التي تقوم على عبارة «مهما تَطلّب الأمر» يبدو أنها لا تتوقع بدائل مهما تطلب الأمر. وأوباما لا يستغل الإرهاب لكسب المزيد من الحظوظ السياسية مثل بيل كلينتون مع إصلاحات الرفاهية، بل للتعامل مع خطر حقيقي وتنظيف الفوضى التي أحدثها تشيني.

التصريحات الخاطئة تماما: قال تشيني: «لقد استخدمت التحقيقات مع الإرهابيين المتشددين بعد فشل الوسائل الأخرى. كانت قانونية وضرورية ومبررة وناجحة، وكانت أمرا صائبا»، لكن علي سوفان، عميل المباحث الفيدرالية الأسبق، قدم رواية مناقضة تماما لاستجواب أبو زبيدة، قائلا للجنة القضائية في مجلس الشيوخ إن الإرهابي الجريح كان يتعاون ويقدم معلومات مهمة ـ عن دور خالد شيخ محمد الذي لم يكن معروفا من قبل في هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 ـ حتى قرر المحققون زيادة الضغط عليه إلى الحد الذي جعله يُحجِم عن التعاون.

لَيّ الحقائق السابقة والتصريحات المضللة مغلفة بمحاولة لكسب تأييد شعبي: «لقد اعترف النائب العام وآخرون بأن الولايات المتحدة ستضطر إلى قبول إرهابيين هنا وقد اقترح أن تستخدم أموال دافعي الضرائب في دعمهم. ولنتذكر دائما أن هؤلاء هم إرهابيون أُلقي القبض عليهم في دول أخرى منذ 11/9، وأن الأفراد الذين يُنظر إليهم على أنهم أقل خطورة أُطلقَ سراحهم منذ أمد بعيد.

من الصعب معرفة إمكانية البدء في امتداح المعلومات الخاطئة هنا: «فالإجبار على قبول الإرهابيين على الأراضي الأميركية يوحي بأنهم سيتجولون في المحلات التجارية، ولا أتذكر أن تشيني نشر إرهابيين على الأراضي الأميركية منذ أن حوكم زكريا موسوي، الخاطف العشرون، وحُكم عليه بالسجن هنا. وكما قال أوباما: لن نطلق سراح أي فرد يعرّض أمننا القومي للخطر ولن نطلق سراح أي معتقل في الأراضي الأميركية يعرّض حياة الأميركيين للخطر. وسوف نسعى لنقل بعض المعتقلين وفق حاجات العدالة والأمن القومي إلى نفس النوعية من المنشآت التي نحتفظ فيها بنفس النوعية من المجرمين الخطرين داخل حدودنا، تلك السجون شديدة الحراسة التي تضمن الأمن العام».

إن الحديث عن دعم دولارات دافعي الضرائب الأميركيين للإرهابيين تبدو كأنها نسخة من أسطورة سارقات مخصصات الرفاهية الاجتماعية في عهد ريغان لعام 2009. ألن تنفق دولارات الضرائب على غوانتانامو؟ أما بالنسبة إلى الدولة التي تبدو «أسوأ الأسوأ» فقد حكمت محاكمها ـ وباعتراف إدارة تشيني في بعض القضايا ـ بأنه لا يوجد سبب قانوني لاحتجاز 21 سجينا من بين 241 معتقلا حاليا في معسكر غوانتانامو، كما تمت الموافقة على نقل 50 آخرين إلى دولة أخرى، لذا فإن الانطباع بأن المعتقلين الأقل خطورة قد تم الانتهاء منهم باتت خاطئة، وإذا ما أردت أن تتبين ذلك فلتسأل الأويغور الصينيين الذين لم يضمروا نوايا سيئة لأميركا لكنهم اعتُقلوا لسبع سنوات دون أساس.

خير وسيلة للدفاع الهجوم: «كانت هناك محاولة غريبة ومتعمدة في بعض الأحيان لإدماج ما حدث في أبو غريب مع برنامج بالغ السرية لأساليب استجواب مطورة. ففي أبو غريب قامت مجموعة قليلة من حراس السجن الساديين بالتعذيب الرهيب للمعتقلين، في انتهاك صارخ للقانون الأميركي والتعليمات العسكرية وآداب السلوك. لكن من غير المنصف مساواة عار أبو غريب بالعمل المشرف تماما والقانوني والماهر لرجال المخابرات المركزية الأميركية المدربين للتعامل مع تلك الثلة الناقمة على الولايات المتحدة». ما مدى مشاركة الراديكاليين في تلك الوصمة؟ حسنا، لقد قام وزير الدفاع، آنذاك، دونالد رامسفيلد بتعيين هيئة يترأّسها وزير الدفاع الأسبق جيمس شلسينغر قامت بتطوير أساليب التحقيق، وقال شلسينغر في تقريره: «إن تلك الوسائل مورست في أفغانستان والعراق، حيث لا توجد قيود أو ضمانات».

وأخيرا منتهى الوقاحة: لقد هاجم تشيني إدارة أوباما بشدة على فشلها في كشف الوثائق بالقول: «كل ما ظل سريا ورسميا هو المعلومات التي حصلنا عليها كنتائج (للتحقيقات). ويقول بعض المدافعين عنه إن الوثائق التي لم تنشر غير حاسمة، وهو ما يثير التساؤل، حول عدم إعطاء الأميركيين الفرصة ليقرروا ذلك بأنفسهم». لقد أصبح تشيني مدافعا عن حكومة شفافة، وهذا أمر جيد.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»