السلام الوقح!

TT

بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الشديد التطرف، يلقي خطابا عن السلام بحسب رؤيته الشخصية، والحديث عن نتنياهو بأن لديه رؤية للسلام هو أشبه بالحديث عن جورج بوش الابن وعلاقته بالثقافة والبلاغة. ونتنياهو لديه رفض تام لفكرة «الدولة الفلسطينية» ويرفض مبدأ الانسحاب من الأراضي التي اغتصبها بالاحتلال عام 1967، وبالتالي هو يرفض أيضا رفضا قاطعا أي حديث عن «حق» الفلسطينيين في مدينة القدس، وهو ليس على أي استعداد للتطرق لموضوع حق العودة للفلسطينيين المهجرين من ديارهم . «رؤية» نتنياهو للسلام هي «تخدير» للوضع مع العرب والفلسطينيين تبدأ بـ«حقوق» و«فرص» اقتصادية للفلسطينيين تتضمن فرص عمل لهم في الداخل الإسرائيلي وفتح المجال للاستثمار في الضفة الغربية وغزة، ومن جهة أخرى تسليط الضوء وبقوة على الخطر الإيراني واعتباره المهدد الحقيقي للسلام بين العرب وإسرائيل لأنه يضع المنطقة على كف عفريت.

وهذا طبعا ليس مجرد أكاذيب مهووسة ولكنه طرح موتور وخادع ومضلل. إسرائيل لا تملك جدارة ولا لديها الجدية في السلام، فأمامها قرارات الأمم المتحدة التي تطالبها بوضوح شديد لا يحتمل سوء الفهم بالانسحاب التام من الأراضي التي احتلتها، وطبعا هذه القرارات لم تلق الاحترام من إسرائيل ولم تنفذ. حتى مبادرات السلام جميعها كانت دوما ما تلقى الرفض التام والتمييع الشديد من الإدارات المتلاحقة. بل إن النهج المتبع الآن في إسرائيل هو أن كل حكومة تأتي تتجاهل ما تم الإقرار عليه من قبل، فالليكود بعد وصولهم للحكم أنكروا تماما وجود «وديعة رابين» التي أعدت من قبل للانسحاب التام من الجولان وعقد سلام مع سورية.

واليوم ها هو الليكود يتنصل من مواقف حزب «كاديما» على مبدأ الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية لينكر كل ما تم التوصل إليه من قبل، بينما يصر الليكود وبكل وقاحة أن على «حماس» و«حزب الله» الاعتراف بما تمت الموافقة عليه من قبل الإدارات المناسبة في بلديهما. حتى المبادرة العربية للسلام التي قدمت فيها مساحات غير مسبوقة وأرضية مهمة لبناء تفاهم سلمي جاد وحقيقي لم تلق القبول ولا أحسن التعامل معها من قبل الموتورين في إسرائيل.

اليوم إسرائيل تستشعر أن هناك خطابا أمريكيا جديدا وبلغة مختلفة فيها إصرار واضح على حل الدولتين كقاعدة رئيسية للسلام الممكن. المستوطنات الإسرائيلية لا تزال حتى اللحظة في توسع وبناء وتحد سافر للرغبة والإرادة الدولية ورمي برغبات باراك أوباما عرض الحائط. إسرائيل دولة مارقة واستعمارية بامتياز شديد لم تكترث البتة بأخلاقيات ومسؤوليات الدول المحترمة واستمرت على نهجها الذي لا يمكن إنكاره. بنيامين نتنياهو وحكومته بزعامة وزير الخارجية ليبرمان يقدمان للعالم وجها قبيحا ولكنه حقيقي لنهج إسرائيل وسياساتها. رؤية بنيامين نتنياهو للسلام لا علاقة لها أبدا بهذه الكلمة الشريفة والنبيلة، هو يقدم مشروعا دمويا وخانقا وظالما، ويجب ويستحق أن يعامل بصورته الحقيقية داعية حرب وإجرام ورافض للعيش بسلام. العالم مطالب بوقفة أخلاقية جادة وأن تخضع إسرائيل للمعيار الأخلاقي والمنهجي المطبق على سائر دول العالم، وحتى هذه اللحظة سيظل مجلس الأمن والقائمون عليه مقصرين في حق الجدارة الأخلاقية المطلوبة.