إيران.. المعركة بدأت ولم تنته

TT

يخطئ من يعتقد أن انتصار أحمدي نجاد في الانتخابات الإيرانية هو «التصادم الأخير، وربما النهائي في معركة على السلطة والنفوذ استمرت لمدة عقود بين خامنئي وهاشمي رفسنجاني» كما تقول صحيفة «نيويورك تايمز»، بل إن المعركة ظهرت للتو على السطح.

فما يحدث في إيران اليوم، أعقد من تزوير انتخابات، فالصراع هناك أشبه باحتكاك شديد في مفاصل أعمدة الثورة الإيرانية، ولذلك فإن صراخ الألم مسموع في كل العالم.

وإذا كان نجاد يقول عن أحد خصومه إنه «قاد سيارته، رغم أن الإشارة حمراء، وحصل على مخالفة مرورية»، فإن هاشمي رفسنجاني قد أعطى الضوء الأخضر لتحدي المرشد الأعلى، لتصبح المعركة الخفية في العلن، وهذا أمر ليس بالسهل. فكلمة المرشد في إيران فتوى لا تكسر، ولا يجرؤ أحد على إنزالها من مقامها العالي، لكن وعلى الرغم من مطالبة المرشد في خطابه للإيرانيين بقبول فوز نجاد، وتحذيرهم من الاستفزاز، إلا أن المظاهرات ما تزال تتوالى.

وهنا لا بد من وقفة أمام تاريخ الصراع لنعرف أن المعركة بين رفسنجاني وخامنئي ليست على مشارف النهاية، بل هي في طور البداية. فقبل أربعة أعوام نزل رفسنجاني إلى الانتخابات معتقدا أن المرشد الأعلى لن يقصيه على حساب نجاد، وكان رفسنجاني متيقنا أن النصر حليفه، لكن حدث العكس، حيث وقف المرشد مع نجاد، رغم أن رفسنجاني هو من دعم خامنئي للوصول إلى ما وصل إليه. وقتها قبل رفسنجاني النتيجة على مضض، رغم عدم اقتناعه بنزاهة الانتخابات، وتعرض هيبته للاهتزاز.

اليوم، وبعد أن عاد نجاد ليرشح نفسه، ويتهم رفسنجاني وعائلته بعدم النزاهة، وهو أمر غير مألوف نظرا لأن رفسنجاني يمثل الرقم الصعب، قبل الثورة الإسلامية وبعدها، وجد الثعلب الإيراني فرصة سانحة لتسديد الدين القديم للمرشد الأعلى.

لاحظ رفسنجاني أن هناك تململا شعبيا حقيقيا بسبب الأوضاع الداخلية في إيران، والعزلة الدولية المتزايدة، فأراد لذلك البركان أن ينفجر في الأعلى، لا في وجه نجاد وحسب.

وبذكاء شديد قام رفسنجاني بتوجيه رسالة مفتوحة للمرشد، وهو أمر غير مسبوق، بعد اتهامات نجاد له ولأسرته، طالبه فيها بالتدخل وتحمل المسؤولية، وبذلك جعله المسؤول أمام الشعب. وبالفعل نجح حدسه، وانفجر غضب الإيرانيين بعد التلاعب بنتائج الانتخابات. ورغم تحذيرات المرشد خرج الإيرانيون للشوارع، وكسروا قرارات منع التظاهر، وبلغ الأمر حد مهاجمة مبنى للباسيج، وذاك تحد صارخ لقرارات وتحذيرات الولي الفقيه، الذي أدرك سريعا الشرك الذي نصبه له رفسنجاني. وعلى ضوء ذلك قرر المرشد إجراء تحقيقات حول نتائج الانتخابات، وهذا تراجع كبير، وإن بدا صغيرا. ولذا فإن ما شاهده العالم في الأيام الماضية التي أعقبت الانتخابات، لم يكن إلا بداية معركة تكسير العظام بين أركان النظام الإيراني بشكل علني، وليس نهايتها.

[email protected]