أوباما بين جيل كيبل وأوليفييه روا

TT

يُعتبر جيل كيبل وأوليفييه روا اثنين من كبار الاختصاصيين الفرنسيين بالشؤون الإسلامية والحركات الأصولية. الأول أستاذ في معهد العلوم السياسية بباريس. والثاني باحث في المركز القومي للبحوث العلمية الفرنسية. وقد اشتهر كيبل بعدة مؤلفات نذكر من بينها كتاب «الجهاد. صعود الحركات الأصولية وأفولها». ثم كتاب «الفتنة. حرب في قلب الإسلام». ثم كتاب «القاعدة في نصوصها». ثم كتاب «الإرهاب والشهادة». وأما أوليفييه روا فقد اشتهر بكتابه عن فشل الإسلام السياسي، ثم عن العلمانية في مواجهة الإسلام، إلخ. الأول مختص بالإسلام العربي بالدرجة الأولى. أما الثاني فمختص بالإسلام التركي ثم الأفغاني الباكستاني.

كلاهما يعترف بأن أوباما هو أول رئيس أميركي يتجرأ على مواجهة القيادة الإسرائيلية ويطالبها بوقف الاستيطان السرطاني الذي ينهش أراضي الضفة الغربية ويمزقها تمزيقا.

ولكن إلى أي مدى سيقبل الشعب الأميركي بهذا التوجه هو المؤيد جدا لإسرائيل؟ على هذا السؤال يجيب أوليفييه روا قائلا: «في ما يخص الرأي العام الأميركي فإن أوباما يمتلك هامشا كبيرا من الحرية. فالأجيال الجديدة الشابة التي صوتت له وبخاصة اللاتينيون والآسيويون لا يضعون إسرائيل في قلب اهتماماتهم كما يفعل اللوبي اليهودي المدعو بالإيباك أو اليمين المسيحي البروتستانتي».

ولكن السؤال المطروح هنا هو التالي: هل سيتجرأ أوباما على مواجهة اللوبي اليهودي وإجبار إسرائيل على فعل شيء لا تريده؟ أم أنه سيتوقف في منتصف الطريق ثم يتراجع خوفا من الاغتيال؟ سؤال وجيه أكثر مما نتصور.

جيل كيبل أيضا يقول بأن توجهات أوباما تزعج اليمين الإسرائيلي. يضاف إلى ذلك أنه أحدث قطيعة رمزية ولفظية وبلاغية بالغة الأهمية مع عهد بوش والمحافظين الجدد. وقد مد يده فعلا للإسلام الوسطيّ المعتدل العقلاني. وقدم في خطاب القاهرة قراءة إيجابية جدا لتراث الإسلام وركز على الأبعاد السلمية والإنسانية في القرآن الكريم. وهي موجودة بكثرة لحسن الحظ. ولكن الأصوليين لا يركزون إلا على الجوانب القتالية والجهادية العنيفة. ولهذا السبب فإنه يحظى بشعبية في أوساط القادة الأتراك وحزب العدالة والتنمية. كما يحظى بشعبية حقيقية في كل أنحاء العالم العربي والإسلامي، ولكن السؤال المطروح هو: هل ستدوم هذه الشعبية طويلا أم أنها ستتبخر بعد أن يتخذ القرارات الهامة بخصوص المنطقة؟ ذلك أن البعض يعتقد بأنه يناور ويداور ولن يتجرأ على تحدي إسرائيل واللوبي اليهودي في نهاية المطاف. فالذي يتحدى الدولة العبرية من قادة الغرب لم تلده أمه بعد.

هناك مسألة أخرى تخص العالم العربي. على الرغم من أن أوباما انتقد وضع الأقليات غير الإسلامية في العالم العربي ودعا إلى معاملتها باحترام فإنه لن يفعل شيئا لقلب الأنظمة الحاكمة باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان. وهنا يطرح أوليفييه روا هذا السؤال: أين هم الديمقراطيون في العالم العربي؟ من المعلوم أن الحركة العلمانية التحديثية ضعيفة ومهمشة من قِبل الأصوليين الذين يسيطرون على الشارع. وهم يطالبون بتطبيق الشريعة وممارسة الانتخابات في صناديق الاقتراع في آن معا! ولكن الغرب أصبح يخشاهم بعد انتصار حماس. ولذلك فإن أوباما كسواه من قادة الغرب أصبح يفضل التعامل مع مستبد مستنير أكثر من مستبد ظلامي. لهذا السبب لم يعد الغرب يلح كثيرا على موضوع الديمقراطية في العالم العربي. فخبراؤه يقولون له بأن الشعوب غير جاهزة حتى الآن لممارسة الديمقراطية. وينبغي أولا تثقيفها وتعليمها ورفع مستواها المعيشي لكي تنتخب على هدى من أمرها فلا تعطي أصواتها للأصوليين في كل مرة باسم العاطفة والدين وبقية الاعتبارات.

هناك نقطة أخيرة تخص المتطرفين. نلاحظ أنهم جميعا انزعجوا من توجهات أوباما السلمية المتعاطفة مع الإسلام. وأكبر دليل على ذلك تصريحات بن لادن والظواهري وعلي خامنئي. فهؤلاء وسواهم يخشون من أن يُسحب البساط من تحت أقدامهم ولا يعودوا قادرين على شيطنة أميركا وتهييج الجماهير ضدها كما كان عليه الحال في عهد بوش. وهذا أكبر دليل على أن التطرف يقوّي التطرف ويشد من أزره. هناك تحالف موضوعي بين المتطرفين على الرغم من أنهم يكره بعضهم بعضا إلى حد الموت. أخيرا يمكن القول بأن برنارد لويس صاحب نظرية صراع الحضارات فقد منصبه الآن بصفته المفتي الأكبر للغرب في ما يخص الشؤون الإسلامية. أما تلميذه صموئيل هانتنغتون فقد مات. وأما بقية المحافظين الجدد فقد تواروا عن الأنظار.