إيران.. حفظ ماء الوجه

TT

من الواضح أن النظام الإيراني يسعى جاهدا لإيجاد شماعة خارجية يعلق عليها أخطاءه أمام أبناء شعبه الرافضين لما حدث بالانتخابات الأخيرة، حيث يسعى النظام للهروب إلى الأمام بدلا من مواجهة أزمته الداخلية.

الخارجية الإيرانية أصدرت بياناً لا يحمل لغة دبلوماسية، تقول فيه إن الإعلام الخارجي أصبح ناطقاً «باسم من يقومون بأعمال الشغب»، محذرة بأنه «سيتم القضاء» على «الأعداء» الذين يشوهون «الصورة المضيئة للجمهورية الإسلامية».

الأمر نفسه فعله الحرس الثوري، حيث حذر مواقع الإنترنت الداخلية من نشر ما يدعم المتظاهرين. المدعي العام لإقليم أصفهان محمد رضا حبيبي ذهب أبعد من ذلك، حيث حذر من أن عقوبة الإعدام في انتظار من «يحاربون الله».

وكل ذلك يحدث اليوم باسم الديموقراطية، والمعروف أن من يرتضي الديموقراطية عليه أن يكفل حرية التعبير والتظاهر، وقبل كل شيء سلامة الانتخابات، لأن كل ذلك من أساس العمل الديموقراطي وليس محاربة لله.

وهنا لا بد من كلمة لبعض عربنا، وكما قال السيد وفيق السامرائي في مقاله أول من أمس، فإن عليهم أن يستحوا قليلا، فما يحدث في إيران شيء مختلف تماما عن الديموقراطية، فالديموقراطية تعني حريات، ومؤسسات، وشفافية، فلا يكفي أن تتشدق بالديموقراطية لتقول إنك ديموقراطي.

ولذا فإن الواضح هو أن النظام بطهران يبحث عن عدو خارجي يربط به مشاكل إيران الداخلية، وهذا أمر يكشف عمق أزمة النظام هناك، حيث يجهل كثير من المتابعين نقطة مهمة في الثقافة الإيرانية.

فالإيرانيون، بمختلف مشاربهم، عندما دعموا الثورة الإسلامية ضد نظام الشاه لم يكونوا تواقين لشعارات الثورة وفق مفهوم قياداتها، بقدر ما كانوا تواقين للحرية، وطرد المستعمر، حيث حلم الإيرانيون بأن تأتي لهم الثورة بالحرية، والاستقلال.

في مذكرات شيرين عبادي، «صحوة إيران» تروي كيف آمنت بالثورة كامرأة تعمل في السلك القضائي، وكيف أن أول نتائج تلك الثورة، هو طردها من وظيفتها القضائية، وكيف شعر كثير من الإيرانيين بعد الثورة بأنهم خدعوا. هذا الأمر يؤكده ما ورد في كتاب هاشمي رفسنجاني «حياتي» عن سعيه الحثيث من أجل إدخال كلمة فلسطين في خطاب الثورة، والحياة السياسية والثقافية، لتوفير قضية إسلامية يصطف خلفها الإيرانيون دعما للثورة الإسلامية وقادتها.

لذا فإن الذين خرجوا ضد ديكتاتورية الشاه، هم أنفسهم الذين خرجوا ضد ديكتاتورية نظام الملالي، وليس بدعم من الخارج، وهذه هي الطريقة المثلى لفهم ما يدور داخل إيران اليوم، وليس ما يحاول النظام الإيراني قوله.

فما يجب أن نعلمه أن شريحة عريضة من الإيرانيين ليست تواقة لتصدير الثورة الإسلامية، والتدخل في شؤون الآخرين، بقدر ما أنها حريصة على استقرار بلادها وازدهارها، مثلها مثل أي مجتمع آخر.

وعليه فإن ما يصدر من النظام الإيراني اليوم ما هو إلا محاولة يائسة للحفاظ على ماء الوجه أمام المجتمع الدولي الذي اكتشف أن إيران التي كانت تقول إنها ديموقراطية، وقادرة على حل مشاكل المنطقة، لا تستطيع أساسا حل مشاكلها الداخلية.

[email protected]