جماهير وجماهير مقابلة

TT

يرى المعلق الأميركي توماس فريدمان، الذي حضر انتخابات لبنان، أنه أصبح «لذوي اللياقة» صوت في شرق اعتاد لزمن طويل على صناديق الاقتراع المغلقة سلفاً، والنسب التي تفوق أعداد الأحياء والأموات. والحقيقة أنه مهما كان اعتراض الإصلاحيين في إيران عبثياً ولا فائدة منه، فقد تجرأت جماهير إيرانية على النزول إلى الشوارع برغم أمثولات الحرس الثوري والجنازير الحديدية التي استخدمها في جامعة طهران منذ عقد.

لقد نال أحمدي نجاد الأصوات وصورة الجماهير المكتظة كما في الأيام التي سبقت الثورة، لكن للمرة الأولى نال سواه حق الاعتراض في نظام مطلق. وهذا لا يعني الانشقاق، لكنه يعني رغبة ظاهرة في إخراج إيران من العزلة ومن خطاب العجرفة الذي أعلنت الثورة أنها قامت لإزالته من العالم. تلامذة أحمد خاتمي، الذي ظهر إلى جانب مير موسوي غداة الاقتراع، ليسوا خونة ولا استكباريين ولا عملاء. إنهم مجموعة تريد أن تجد لإيران موقعها بين الدول، لا فوق الدول، وعلى رأس القانون العالمي وليس فوق رأسه. والفرق الواضح بين الملا أحمد خاتمي وبين المهندس أحمدي نجاد، أن رجل الدين الباسم يريد أن يجتذب العالم إليه، في حين لا يكف نجاد عن دفع العالم عنه.

فالعداء لأميركا لا يمكن أن يعني العداء لكل العالم ولكل شيء ولكل الوساطات ولكل الطروحات ولكل الثقافات. والشعب الإيراني، بحضارته وثقافاته وإرثه، لم يكن مربعاً من الاسمنت خلال حكم الشاه ولا يمكن أن يكون ذلك مهما كان ولاؤه للثورة. ومن الصبيانية التصرف وكأن قناة «العربية» هي المسؤولة عن الصورة الواضحة التي خرجت من إيران برغم كل القيود والرقابة والمنع والشدة. المسؤول هم الإيرانيون الذين اختاروا تحدي جميع عناصر الخوف وصلابة جدار الاسمنت. أما الصحافة فهي تنقل بعض التفاصيل الحية من طهران، كما تنقلها من واشنطن وسري لانكا وموسكو. وهي لا تستطيع أن تقترع عن أحد ولا أن تزور عن أحد ولا أن تختصر أعداد الجماهير التي وقفت تهتف لأحمدي نجاد.

ثم إن الفارق الهائل بين طهران نجاد وبين بقية العالم، هو أن أحداً في هذا العالم لم يحدد لإيران كيف تكون ومن تكون، في حين تجول هي حول الأرض مطالبة بتغيير معالمها، وفقاً لرؤية الرئيس المستعاد.