الأستاذ الطفيلي

TT

أضيف في العصر الحديث فصل جديد إلى تاريخ الطفولية يقوم على تطفيل الأساتذة والكتاب والشعراء والعلماء والأكاديميين عموما. ترتب هذا الفصل على ازدهار صناعة المؤتمرات والندوات وما صحبها من دعوات وضيافات وولائم سخية. راح القوم يتنافسون ويتوسطون ويلجأون لكل وسيلة ليكونوا بين المدعوين وينضموا للوفود الموفدة أو المدعوة. لا يهم الموضوع فليكن عن مرض الإيدز أو الشعر المنثور. كلها سواسية. المهم هو أن يكون بين المدعوين ليأخذ حقه من المأكلة. الواقع أن كثيرا من الخبراء أصبحوا يطلقون على هذه الندوات اسم «المأكلة». وشاعت الحكمة الدارجة «اكتب ورقة و تفرج على العالم». فما يفعله الكثير منهم هو أن يكتبوا ورقة واحدة يلقونها على أي تجمع، و يكررون إلقاءها على سواه من التجمعات في القاهرة ثم بغداد وواشنطن ولندن وهات ما عندك. قد يغيرون شيئا منها وقد لا يغيرون.

وبالطبع يلحق بهم الكثير من المتطفلين الآخرين، صحافيين ومصورين وتلفزيونيين ومراقبين... الخ. إنها حياة رغيدة لا يكدرها غير المرض الذي ينتاب الكثير منهم بسبب إفراطهم في الأكل والمشروبات. سمعت أن أحد الكتاب الأطباء قد شرع بتأليف كتيب ينصح هؤلاء النخبة بكيفية الحفاظ على صحتهم ووزنهم دون الحاجة إلى التقشف في الأكل والشرب، مع تمارين رياضية تمكنهم من تناول ست أو سبع وجبات في اليوم بدلا من ثلاث فقط، وأكل عشرة أسياخ من الكباب بدلا من اثنين فقط. وكل ذلك بعد أن لقي البعض منهم حتفهم أثناء المناقشة أو المشاركة نتيجة كثرة ما أكلوه. والحكمة هنا هو أن يأكل الأستاذ بعد المشاركة وليس قبلها ولا يملأ بطنه بالماء على المنصة.

يقال إن الحجة اللغوية د. مصطفى جواد رحمه الله كان يخاف ركوب الطائرات. ولهذا امتنع عن حضور أي ندوة عالمية. ولكن المسؤولين ألحوا عليه بحضور ندوة في باكستان عن اللغة في القرآن الكريم. ولم يستطع الاعتذار فركب الطائرة وذهب. والظاهر أن ما شهده من الضيافة وكل هذه الأطباق العجيبة من المطبخ الهندي، البرياني بالزعفران والدجاج مسالا واللحمة البولتي مع الثوم وما صاحب ذلك من الأطايب قلب تفكيره وبدد جبنه ومخاوفه فقضى بقية أيام حياته يتردد على رئاسة الجامعة ويسأل: «اكو شي مؤتمر جديد؟».

تمكن البعض منهم ضم زوجاتهم للدعوة أيضا بحجة أن ذلك ضروري لشحذ تفكيرهم وبراعة تعليقاتهم. يقال إن واحدا منهم دعي لندوة عن حقوق المرأة في الإسلام فجاء معه بزوجاته الأربع.

المعروف أن اليونسكو تضع دول العالم العربي في آخر قائمة البحث العلمي. فأمام ما تنفقه إسرائيل على ذلك، وهو 7.4 في المائة من الناتج القومي يقابلها 3.0 في المائة ينفقها العالم العربي. ولكن ذلك يعود إلى أنهم لم يحسبوا ما ينفقه العالم العربي على الأكل والولائم المرتبطة بالبحث العلمي عندنا. فأنا لا أستطيع أن أتصور أي دولة في العالم تستطيع أن تفوق علماءنا وأدباءنا في اقتحام الولائم والمآكل. ولكن المؤسف أن اليونسكو لم تنظم بعد جداول خاصة بالتطفيل والطفيلية.

www.kishtainiat.blogspot.com