حقائق حول الانتخابات الإيرانية

TT

كثر الحديث هذه الأيام عن الانتخابات الإيرانية، لكن إذا أردنا أن نضع النقاط على الحروف فيمكننا أن نقول:

أولا: الانتخابات في ظل نظام ولايـة الفقيه لا معنى لها. لأن دستور النظام الإيراني ينص بأن السلطات الثلاث تعمل تحت إمرة ولاية الفقيه، ولولي الفقيه سلطة مطلقة على هذه السلطات (المادة 57 من الدستور الإيراني). كما أن المرشحين يجب أن يكونوا مؤيدين من قبل مجلس الصيانة على الدستور، المجلس الذي ينصب أعضاءه الولي الفقيه نفسه إما مباشرة (ستة أعضاء الذين هم من الملالي) أو غير مباشر (ستة قانونيين يختارهم رئيس السلطة القضائية الذي نصب من قبل ولي الفقيه). إضافة إلي ذلك، فإن المرشحين الأربعة الذين خرجوا من غربال مجلس المراقبة على الدستور كانوا وأعلنوا رسميا ولاءهم لولاية الفقيه نظريا وعمليا. كما أن رئيس الجمهورية وبعد الانتخابات لن يكون منصبه رسميا قبل تنفيذه من قبل الولي الفقيه، كما أن له الحق في عزل رئيس الجمهورية أيضا (الماده 110 من الدستور)

ثانيا: النظام الإيراني في تركيبته الحاكمة مكون من عدة كتل أو عصابات. ومعروف أن هناك صراعا محتدما بين هذه العصابات على السلطة. وإذا أردنا أن نختصر الموضوع، ففي رؤية عامة، هناك في الوقت الحالي مجموعتان تتصارعان على الحكم. العصابة الأولى هي عصابة الولي الفقيه التي يمكن أن نشير إلى بعض رموزها: محمود احمدي نجاد وجميع وزرائه، علي لاريجاني رئيس المجلس، علي أكبر ولايتي مستشار خامنئي في الشؤون الدولية، محمد باقر قاليباف رئيس بلدية طهران، وآخرين، والجناح المقابل يرأسه بشكل غير رسمي هاشمي رفسنجاني وفيه محمد خاتمي، مير حسين موسوي، مهدي كروبي، غلام حسين كرباسچي، وآخرون.

لكن الشيء المهم اللافت أن خامنئي لا يقبل أحدا من الجناح المقابل أن يكون رئيس جمهوريته، بل حتى لم يكن على استعداد أن يقبل حتى من أقربائه الأولين من أمثال لاريجاني وولايتي وقاليباف أيضا، ليصبح رئيسا للجمهورية. فقد كان يبحث عن شخص وفي له مائة في المائة وليس حتى 99% وهذا الشخص لم يكن سوى احمدي نجاد.

ثالثا: وحيث إن الانتخابات تجرى من قبل وزارة الداخلية وتحت مراقبة مجلس المراقبة على الدستور، فلا شك أن هذه الآلية لا تلبي إلا رغبات خامنئي وجماعته. وكان من المهم جدا لاحمدي نجاد أن يبقى علي الكردان على سدة وزارة الداخلية لأنه كان وفيا له ولخامنئي حتى العظم. ولما ظهر أن شهادته الجامعية ومؤهلات دراسته كانت مزوّرة وغير حقيقية كان من المفترض أن يطلب احمدي نجاد منه الاستقالة لحفظ ماء الوجه، لكننا شاهدنا أنه أصرّ على بقائه، وفي معرض تبرير تأهيل صديقه كردان قال احمدي نجاد إن هذه الشهادات التي يحملها بعض المسؤولين في النظام كلها مزورة ولا قيمة لها. وسبب هذا التمادي يعود إلى أن بقاءه في هذا المنصب كان أفضل له للدخول في معركة الانتخابات الرئاسية. لكنه وتحت الضغوط المتزايدة حتى من قبل التيار التابع له اضطر إلى إقالته. وبعده جاء برجل على سدة وزارة الداخلية الذي يعتبر المرشد بالنسبة لاحمدي نجاد وهو صادق محصولي. صادق محصولي كان من كبار جنرالات الحرس إبان الحرب الإيرانية العراقية وكان يعتبر قائدا لاحمدي نجاد، الذي كان بدوره أيضا من قادة الحرس.

رابعا: المناظرات التلفزيونية التي أجراها المرشحون الاربعة كانت ظاهرة جديدة في نظام الملالي. ومعروف أن خامنئي كان يريد من خلال هذه المظاهر أن يعطي انطباعا بأن نظامه يستفيد من الآليات الديمقراطية الغربية. وخلال هذه المناظرات تم الحديث عن بعض الخطوط الحمراء التي كان النظام يتجنبها خلال ثلاثين سنة من حكمه. كالحديث عن أبعاد الفساد المالي في عائلة رفسنجاني وناطق نوري والآخرين من كبار زعماء النظام، أو تنفيذ العمليات الإرهابية في الخارج، أو إحداث مراكز للتعذيب، وما شابهها. لكنهم في الوقت نفسه قد التزموا الصمت فيما يتعلق بالجرائم الكبيرة التي ارتكبها هذا النظام خلال هذه السنوات: على سبيل المثال دور الخميني شخصيا وخامنئي في الاغتيالات السياسية ضد المعارضين خارج وداخل إيران لأنها جاءت كلها بفتوى محددة من الولي الفقيه، أو حجم الدعم المالي الذي قدموه للجماعات الإرهابية في مختلف الدول العربية والإسلامية، أو الحقائق حول ارتكاب المجازر بحق عشرات الآلاف من السجناء السياسيين المجاهدين المناضلين، أو الفتاوى بممارسة أبشع أنواع التعذيب ضد السجناء العزل، أو خبايا ما يعمله النظام الإيراني في العراق من عمليات القتل والخطف والإرهاب ونهب ثروات الشعب العراقي إلخ..

بيان هذه الحقائق، مع أنها لم تكن واحدا في المائة من ممارسات هذا النظام ضد أبناء الشعب الإيراني إلا أنه جاء ليؤكد ما كان يشيع في أفواه الشعب.

وفي حين تعيش نسبة كبيرة من أبناء الشعب تحت خط الفقر وأحيانا انتحرت العوائل الفقيرة الجائعة بجميع أعضائها للتخلص من جحيم الفقر، فعندما يسمع من أعلى المسؤولين في النظام أن مليارات من أموال وخيرات الشعب تم نهبها من قبل بعض أركان النظام، فمن الطبيعي أن يخرج من بيته شاهرا سيفه ـ كما هو المنقول عن أبي ذر الغفاري ـ وهذا الذي حدث بعد الانتخابات في طهران والمدن الإيرانية الأخرى.

خامسا: لا شك أن أول تزوير حصل في هذه الانتخابات ليس التزوير ضد هذا المرشح أو ذاك. صحيح أنهم زوروا الأصوات لصالح المرشح المفضل لولي الفقيه. لكن التزوير الكبير الذي حصل هو أنهم أعلنوا أن خمسا وثمانين في المائة من الناخبين الإيرانيين شاركوا في عملية التصويت. هذه أكبر تهمة لأبناء الشعب الإيراني الذي يرفض هذا النظام وجميع من يريد أن يعمل في إطار ولاية الفقيه.

من خلال رصد أكثر من خمس وعشرين ألفا من مراكز الاقتراع في مختلف المناطق الإيرانية بمدنها وقراها وأريافها، من قبل الشبكات الاجتماعية التابعة لمجاهدي خلق داخل إيران، أثبت حقيقة دامغة: أن هذا الرصد الواسع يقول إن حوالي سبعة ملايين ونصف المليون شخص شاركوا في عملية الاقتراع. وأن هذا الرقم رقم كبير لأنه يشير إلى أن نسبة المشاركين في هذه الانتخابات كانت أكثر بكثير من جميع الانتخابات التي أجريت طوال سنوات حكم هذا النظام.

سادسا: عملية مقاطعة الانتخابات من قبل معظم أبناء الشعب الإيراني، والمشاركة لصالح الجناح المقابل لجناح خامنئي، والاحداث التي تلت هذه الانتخابات كلها لها مغزى واحد وتحمل رسالة واحدة: الشعب الإيراني لا يريد هذا النظام، بل يريد تغييرا حقيقيا يضع حدا للدكتاتورية الدينية ـ أي ولاية الفقيه ـ وهذا لن يتحقق من دون سقوط هذا النظام ومجيء نظام ديمقراطي علماني مكانه. سئم الشعب الإيراني من قمع الحريات في الداخل ومن تصدير الإرهاب إلى الخارج والتدخل في شؤون الدول الأخرى، فلن يرضى بأقل من نظام ديمقراطي يحترم الحريات الفردية ويؤمن ويلتزم بالسلام والأمن الإقليمي والدولي.

سابعا: وإذا سألنا ما هو الحل لفك هذه العقدة في الوقت الحالي؟ فأعتقد أن الحل هو ما صرحت به السيدة مريم رجوي رئيسة الجمهورية من قبل المقاومة الإيرانية بأنه يجب الترحيب بإعلان إبطال هذه الانتخابات التي جاءت أصلا لإنكار حق الشعب في السيادة والسلطة، وهي انتخابات لاشرعية وباطلة. ويجب تأكيد موقف المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية خلال ثلاثة عقود، أنه يجب إجراء انتخابات حرة بإشراف الأمم المتحدة تأسيسا على مبدأ سلطة الشعب وليس على أساس ولاية الملالي وسلطتهم. إذن ما يجب أن يتم إعلان إبطاله قبل أي شيء آخر وتجب إزالته هو «مبدأ ولاية الفقيه» وهو ما جدد موسوي في بيانه الأخير التزامه به.

* رئيس لجنة القضاء في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية