لبنان.. وأحمدي نجاد الثاني

TT

انتخابات الرئاسة في إيران كانت أحدث مثال على مقدرة الثيوقراطية الإيرانية على تشديد قبضتها على السلطة في طهران بواسطة آلية «ديمقراطية» هي الانتخابات.. طبعا على الطريقة الإيرانية. أما من يتهم ثيوقراطيي إيران «بتدبير» النتائج الانتخابية فما عليه إلا أن يتذكر أن كل العمليات الانتخابية في إيران، وليس انتخابات الرئاسة فقط، «مدبرة» من أساسها طالما يستمر مجلس صيانة الدستور متمتعا بصلاحية استنسابية مطلقة في قبول أو رفض ـ مسبقا ـ أي اسم مطروح للترشح لأي استحقاق انتخابي.

ولكن أن يحصد الرئيس أحمدي نجاد في هذه الانتخابات نسبة من الأصوات تصل إلى 62.6 بالمائة مقابل 33.7 بالمائة لخصمه مير حسين موسوي.. نتيجة لا تنافسه عليها سوى انتخابات دائرة بنت جبيل الأخيرة في جنوب لبنان (49852 صوتا لأول الفائزين مقابل 616 صوتا لأول الخاسرين).

على خلفية تظاهرات الاحتجاج الشعبية الواسعة والعنيفة لنتائج انتخابات الرئاسة الإيرانية، يبدو حجم فوز أحمدي نجاد أقرب إلى وصف المقولة الانكليزية المعروفة: Too Good To Be True (أروع بكثير من أن تكون حقيقية) مما هو إلى الواقع السياسي في إيران.

من هنا يبدو لافتا أن يسارع الأمين العام لحزب الله اللبناني، السيد حسن نصر الله، وللمرة الأولى في تاريخ علاقته بالنظام الإيراني، إلى تهنئة الرئيس المنتخب قبل «تنفيذ» هذه الرئاسة، فقد جرت العادة أن لا يقدم الحزب تهانيه إلا بعد صدور شهادة مجلس صيانة الدستور وحكم المرشد الأعلى بالنتيجة الرسمية للانتخابات، الأمر الذي لم يحصل لأحمدي نجاد هذه المرة.

وقد تكون المفارقة الواجب ذكرها على هذا الصعيد أن المرشح المهزوم في انتخابات الرئاسة، مير حسين موسوي، يعتبر «الأب الروحي» لحزب الله اللبناني، فهو من أشرف على تأسيسه في الثمانينات وهو أيضا من اختار كوادره القيادية آنذاك.

لذلك، تثير لهفة حزب الله على تهنئة أحمدي نجاد بالرئاسة، قبل «تثبيت» شرعية انتخابه رسميا، أكثر من تساؤل، ليس فقط على خلفية إشكالات انتخاب نجاد بل أيضا على خلفية العلاقة القائمة بين الطرفين والتي لا يمكن وصفها بالحميمة.

وإذا جاز الاستطراد في هذا السياق، يصح التساؤل عن مستقبل علاقة حزب الله اللبناني بالرئيس أحمدي نجاد بالذات إذ أن المعروف عن نجاد حرصه على نسج علاقة «استئثارية» مع حلفائه فهو، على سبيل المثال، طالب «الحركة الجعفرية» في باكستان بقطع علاقاتها بأي جهة أخرى غيره، كما دعا جماعة «هزاره» في أفغانستان إلى الالتزام بالسلوك نفسه.

ربما اشتراط الرئيس أحمدي نجاد على حلفائه في الخارج علاقة استئثارية خالصة يعود إلى رؤيته لمتطلبات مواجهاته الخارجية مع «الأعداء» فهو يعتبر انه يخوض لعبة شطرنج إقليمية ودولية مع الولايات المتحدة همّه الأول فيها السيطرة على كل «أحجارها» لاستعمالها بيادق في المواجهة – لا مجرد التحالف معها.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يقبل حزب الله اللبناني بأن يتحول لبنان إلى أداة يحركها أحمدي نجاد في مواجهاته مع إسرائيل والولايات المتحدة وأحيانا الأسرة الدولية برمتها؟

وإذا كان الحزب لا يمانع بعلاقة من هذا النوع، فذلك يطرح تساؤلا آخر هو: على أي قاعدة سترسو علاقة حزب الله بحليفه الآخر، سورية، خصوصا إذا صحّ ما يتردد عن «فتور» في علاقة النظام السوري بنظام الرئيس أحمدي نجاد، وهو فتور مرشح لأن يتحول إلى برودة في حال نجاح إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في إعادة إطلاق مفاوضات السلام غير المباشرة بين سورية وإسرائيل تمهيدا للتوصل إلى سلام شامل في المنطقة.

في هذه الحالة، منطق التطور المحتمل للأمور يوحي بأن علاقة حزب الله اللبناني مع سورية ستكون مرشحة للاهتزاز إن لم يكن للتشنج، وأن وتيرة تدخل إيران بالشأن اللبناني ستكون مرشحة للاتساع.. واستطرادا، أن مواقف حزب الله من الشأنين المحلي والإقليمي ستكون مرشحة لأن تكتسي المزيد من «الثورية».