التمثيلية الانتخابية في إيران

TT

على مدار الأسابيع السابقة لإجراء الانتخابات الرئاسية الإيرانية، كان العديد من وسائل الإعلام في العالم يعزف على نغمة تهدف إلى إبراز الجمهورية الإسلامية في صورة «دولة ديمقراطية نوعا ما» ونموذج للدول النامية. بل وادعى عدد من الخبراء الغربيين أن «تأثير أوباما» على وشك أن يضع إيران على طريق «التغيير السلمي».

ولكن في ليلة الجمعة الماضية، تغيرت النغمة.

ولم تعد الجمهورية الإسلامية «نظاما ديمقراطيا نوعا ما»، ولم يكن الرئيس أوباما على وشك التغلب على إيران بخطبه البليغة. بل كانت النغمة الجديدة مزيجا بين الغضب والإحباط تحت شعار «تزوير انتخابي كبير»، ليكون ذلك هو الموضوع السائد.

وكان سبب ذلك التغير الكبير بسيطا: أن مير حسين موسوي، المرشح الذي كانت معظم وسائل الإعلام وربما إدارة أوباما أيضا ترغب في أن يفوز، لم يفز. ولكن، عاد محمود أحمدي نجاد، الذي مثل كابوسا لواشنطن على مدار الأعوام الأربعة الأخيرة، بعدد أصوات بلغ خمسة أضعاف ما حصل عليه في أول جولة انتخابية رئاسية في عام 2005.

وانتهت فكرة أن الجمهورية الإسلامية من الممكن أن تتغير عبر تطور داخلي بوحي من سحر أوباما العالمي. وعاد أحمدي نجاد، أكثر تحديا من ذي قبل، وعازما على إطلاق رصاصة الرحمة على الولايات المتحدة التي يصفها بأنها «كائن مشلول».

ما الذي حدث إذن؟

في البداية، كانت فكرة احتمال خسارة أحمدي نجاد ذاتها خيالية.

فقد أعيد انتخاب جميع رؤساء الجمهورية الإسلامية الذين ترشحوا في الانتخابات لفترة ثانية. ولا يوجد سبب لأن يكون أحمدي نجاد استثناء. وسواء شئنا أم أبينا، أحمدي نجاد حاليا هو أكثر شخص يحظى بشعبية داخل حركة الخميني. ومن الطبيعي أن يكون لنظام الخميني شخص مثله في منصب الرئيس.

ولكن ماذا عن الاتهامات بوقوع تزوير كبير؟

على الرغم من حالة الغضب، فإن الحقيقة أنه حتى الآن لم يتقدم أي من المرشحين الثلاثة الخاسرين بشكوى رسمية مدعمة بأدلة. وقد أصدر موسوي ومهدي كروبي، الملا الذي جاء في المركز الأخير بين المرشحين الأربعة، بيانات وأرسلا بخطابات يزعمان فيها أشياء كثيرة، منها طلب إعادة فرز الأصوات في بعض المدن. وفي يوم الاثنين، كان لهما ما طلباه، حيث وافق مجلس صيانة الدستور، الذي يجب أن يقر نتائج الانتخابات أو يبطلها، على إعادة فرز الأصوات في الأماكن التي رغب فيها المرشحان الخاسران.

ولكن ما فعله المرشحان الخاسران كان فضح العملية كلها على أنها مزورة.

ويعد النظام الانتخابي في الجمهورية الإسلامية غريبا. بمعنى أن جميع الانتخابات في الجمهورية الإسلامية زائفة لأنها لا تخضع لتنظيم من لجنة انتخابية مستقلة، كما هو الحال في الأنظمة الديمقراطية الحقيقية. وتقرر السلطات من يمكنه أن يكون مرشحا في البداية. ثم تملي شروط الحملة الانتخابية وتتحكم في جميع مظاهرها. ولا يوجد مراقبون أو مفتشون مستقلون؛ ويمكن أن يعلن المنظمون أية نتائج يرغبون بها. وحتى مع ذلك، يملك مجلس صيانة الدستور، وهو يشبه «قاعة النجوم» التي تضم 12 من الملالي، السلطة لتغيير أو حتى إلغاء النتائج.

ولا تختلف الانتخابات التي جرت يوم الجمعة عن 30 انتخابا أخرى، منها 9 انتخابات رئاسية، أجريت في الجمهورية الإسلامية منذ عام 1980. وإذا كانت هذه الانتخابات مزورة، فالانتخابات الأخرى كذلك أيضا. وعندما كان موسوي رئيسا للوزراء طوال ثمانية أعوام، كان له نصيبه من تزوير خمس انتخابات على الأقل. أما بالنسبة لكروبي، فقد كان رئيسا للمجلس الإسلامي طوال ثمانية أعوام نتيجة لانتخابات مزورة متعاقبة.

وقد صدق «المرشد الأعلى» على خامنئي على نتائج الانتخابات ووصفها بـ«الإنجاز الكبير» لإيران. ولا يمكن لموسوي وكروبي، وهما يدعيان دوما أنهما يؤمنان بولاية الفقيه، أن يراجعا خامنئي الذي يمثل «الإمام الغائب»، وفقا لعقيدة الخميني، وبذلك فهو «معصوم».

ووفقا لدستور الخميني، يملك خامنئي الحق في وقف تنفيذ القواعد الأساسية في الإسلام. ومن ثم، عندما يقول إنه لم يحدث تزوير، لا يوجد شخص يحترم نظام الخميني يمكنه مراجعته.

والطريقة الوحيدة أمام موسوي وكروبي لكي يكونا موثوقا بهما هو أن يعلنا أنهما يعتمدان على اجتهادهما الخاص بدلا مما أعلنه «المرشد الأعلى» في تقييم نتيجة الانتخابات.

ولكن إذا قالا إنهما سيضعان نفسيهما خارج نظام الخميني، في تلك الحالة، لن تكون هناك انتخابات حرة وعادلة ممكنة تحت نظام الخميني.

ويبدو كل من موسوي وكروبي مثيرين للشفقة، لأنهما حاولا إرضاء جميع الأطراف. فقد أرادا خداع النظام الخميني بالتظاهر بالولاء لكل الحماقات المتعلقة بـ«المرشد الأعلى» و«عصمته». وفي الوقت ذاته، حاولا خداع الطبقات المتوسطة في المدن، التي لا تريد أيا من تلك التفاهات، بالاعتقاد بأنهما سيخرجانهم من مأزق الخميني.

وفي الوقت ذاته، كان العالم الخارجي، الذي يحتاج بشدة إلى سماع أية أخبار جيدة من إيران منذ 30 عاما مضت، مستعدا للخوض في جميع الصور الخيالية التي تصور موسوي أو كروبي وهما يقودان «ثورة مخملية» في طهران.

ولم يدرك من يطلق عليهم «الخبراء في الشؤون الإيرانية» أن موسوي كان بالونا نفخته الطبقة الوسطى الإيرانية لتظهر غضبها ليس فقط من أحمدي نجاد ولكن أيضا من النظام الخميني بأسره. ومن ناحية أخرى، لا يوجد شيء في سجل موسوي أو كروبي في هذا الصدد يجعلهما أكثر جاذبية من أحمدي نجاد. لقد كان موسوي رئيسا للوزراء في أكثر فترة قمعية في تاريخ إيران بعد الثورة الخمينية. وتحت مرأى منه، تم إعدام عشرات الآلاف من المعتقلين السياسيين، غالبا دون محاكمة. وترأس كروبي البرلمان في فترة مرر فيها بعضا من أكثر القوانين القمعية في الجمهورية الإسلامية.

ويمثل اسم الجمهورية الإسلامية الإيرانية إردافا خلفيا ثلاثيا. فهي ليست إسلامية لأنها تتبنى أيديولوجية غريبة تعتمد على ولاية الفقيه، وهو مفهوم غريب يعارضه 99 في المائة من المسلمين من جميع الطوائف.

كما أنها ليست جمهورية، لأن السلطة يمارسها «المرشد الأعلى»، وليس العامة. وهي ليست إيرانية أيضا لأنها ترفض تاريخ إيران ما قبل الثورة بالإضافة إلى أنها تعتبر مفهوم القومية في حد ذاته ضد الإسلام.

وقد شكلت تلك التناقضات نموذج السياسة الإيرانية منذ عام 1979. وقد حاول العديدون إخفاءها أو التقليل من حجمها؛ ولكنهم جميعا فشلوا.

وقد حاول مهدي بازركان، بطريقته الخاصة، كما فعل أبو الحسن بني صدر، أول رئيس للجمهورية الإسلامية.

وفي الفترة الأخيرة، حاول أيضا محمد خاتمي، الملا متوسط الرتبة الذي دفعه إلى الرئاسة هاشمي رافسنجاني، أن يتغلب على التناقضات. ولكنهم جميعا فشلوا ليس لأنهم كانوا رجالا سيئين أو سياسيين غير مؤهلين، ولكنهم فشلوا لأنهم حاولوا القيام بالمستحيل. ولا ندري ما إذا كان موسوي وكروبي سيحاولان أيضا، على الرغم من أن بعض مؤيديهم يأملون في ذلك. ويجد النظام الخميني في شخص أحمدي نجاد زعيما طبيعيا له. ويتميز أحمدي نجاد بأنه لا يتظاهر بما ليس فيه.

ولكن ما تحتاج إليه إيران ليس نسخة «مخففة» من النظام الخميني كما يقترح موسوي وكروبي، بل إلى طريق للخروج من المأزق التاريخي الذي صنعه نظام أدى بالأمة إلى حافة الحرب الأهلية، وحولها إلى دولة منبوذة دوليا، وأثار سخرية العالم من تمثيلية انتخابية مخزية.عأسلاسلامية