في حقل ألغام نووي

TT

في عام 1947، وصل محامٍ بريطاني لا يتمتع بخبرة سابقة في المنطقة إلى الهند لرسم خطوط على الخريطة. وفي غضون أسابيع، فصل سيريل رادكليف مستقبل باكستان عن الهند، مما ساعد على خلق الظروف التي نتج عنها ثلاث حروب وتسلح الدولتين بأسلحة نووية. ويسأل الناس: ماذا ستفعل أميركا إذا فقدت باكستان القدرة على السيطرة على سلاحها النووي؟ هذا السؤال خطأ، بل يجب أن نسأل: ماذا ستفعل الهند؟

تملك تلك الدولة 100 سلاح وقذيفة نووية، بالإضافة إلى الطائرات والغواصات والسفن، يمكن أن تطلقها. وتملك باكستان أيضا نحو 100 سلاح نووي، ولكنها تفتقر إلى أنظمة الإطلاق الهندية الشاملة. وعلى الرغم من ذلك، تمتلك الدولتان ما يسمح لكل منهما بتدمير الأخرى. ويتوفر لديهما السبب، أن كلا منهما تكره الأخرى.

والجدير بالذكر أوجه المخاطر في هذه المنطقة من العالم، لأنها مريعة وغير مسبوقة فعليا. ولكن في الكونغرس، يتم تشبيهها بحرب فيتنام. وقد أشار النائب ديفيد أوبي رئيس لجنة المخصصات في مجلس النواب، إلى أن الحرب في أفغانستان والجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار في باكستان تحمل طبيعة حرب فيتنام المفتوحة وغير المجدية. ويريد أن يمنح إدارة أوباما عاما واحدا لإحراز تقدم أو الخروج.

ويقول آخرون إنه في إمكاننا فقط أن نحيل الأمور إلى وضع أسوأ، ومن وجهة نظر أندرو باسفيتش، الكولونيل السابق في الجيش ومؤلف الكتاب الأكثر مبيعا «حدود السلطة: نهاية الاستثناء الأميركي»، أن المشكلات في أفغانستان وباكستان بعيدة عن متناولنا، وأن أميركا لا تملك القوة أو البراعة لفعل الكثير في هذه المنطقة الواسعة المعقدة. ويقول إن الحيلة فقط في أن تكون هناك خطة لحماية أسلحة باكستان النووية عندما يحين الوقت.

إذا كان هناك تشابه مع فيتنام فقد يكون أن الاحتواء أقرب إلى المستحيل. فالحرب في فيتنام أصبحت الحرب في كمبوديا والحرب في لاوس، وفي النهاية، فإنها كانت تعني حمّام دماء للمنطقة بأسرها.

واجتاحت كمبوديا نوبة عنف جنونية، ورعب لا يزال عصيّا على الفهم. والحال أيضا بالنسبة إلى العواقب غير المقصودة للحرب في أفغانستان. فقد تورطت باكستان حاليا في مواجهات مع طالبان، والبلاد أقل استقرارا مما كانت عليه. ومرة أخرى، نسمع نفس المصطلح «أضرار جانبية»، الذي يعني أنهم «يقتلون الناس عن طريق الخطأ».

والتحدي الذي يواجه الرئيس الأميركي باراك أوباما حاليا هو أن يشرح للشعب الأميركي لماذا تستحقّ أفغانستان، ومن المحتمل باكستان، التضحية بحياة المزيد من الأميركيين. وحتى الآن، فإن أوباما ظل ملتزما بالحديث عن إصراره علي إزالة القاعدة، وهو ما يمنحه قوة أكبر. ولكن هذا قليل جدا ومتأخر جدا كذلك. فحركة طالبان تجاوزت بالفعل الحدود. وتحتاج باكستان إلى أن تعمل على بناء أمتها، وهو ما يحتاج إلى وقت ربما أكثر من العام الذي يرغب أوبي وآخرون في تقديمه.

ولا تصلح فيتنام كنموذج تاريخي مشابه على الإطلاق، ولكن قد يكون النموذج الملائم هو الحرب العالمية الأولى. فمقتل شخص واحد بطريقة ما أدى إلى سلسلة من ردود الفعل التي أودت بحياة الملايين، وبعد توقف قصير استؤنفت الحرب تحت اسم آخر هو الحرب العالمية الثانية (وما زالت الكتب حتى الآن تؤلَّف حول أسباب اندلاع الحرب العالمية الأولى). ولكن المخاطر أكبر بكثير في الوقت الحالي، فهذه عبارة عن منطقة نووية، صيدلية لمدمني الأسلحة النووية، وتفضل باكستان امتلاك المزيد من الأسلحة النووية بدلا من فتح بعض المدارس الجديدة، على سبيل المثال. المنطقة تغلي، والثابت الوحيد فيها هو الخصومة. وليس من السهل تجاهل الانتقادات الموجهة إلى سياسات الرئيس أوباما تجاه تلك المنطقة بسهولة. فهناك دروس مستفادة من فيتنام ومن العراق كذلك. وأكثر من ذلك، فإنهما لهما تأثيرات تراكمية. وقد بدأ نوع من القلق القومي في الانتشار. لماذا نحن بالذات؟ لماذا يُطلب من الأميركيين تحديدا المخاطرة بحياتهم؟ أين الآخرون؟

وتلك أسئلة يصعب الإجابة عليها، ولكن السؤال الأصعب سيأتي يوما ما في أعقاب كارثة نووية عندما يطالب الناس بمعرفة أسباب التقاعس عن فعل أي شيء لتغيير المسار. ولا يمكن أن تكون الإجابة أن العام كان قد انتهى.

وبالنسبة إلى الهنود، فإن هجمات مومباي الإرهابية بدت منذرة بالسوء مثل عملية برية بحرية لا يمكن لأحد أن يقفها غير الحكومة أو عنصر منبوذ، فهم ينظرون إلى باكستان، التي تنظر بدورها إلى الهند، عبر خط تم رسمه منذ زمن بعيد بواسطة رجل إنجليزي عاد إلى وطنه عقب إقامة قصيرة. وسيحتاج ذلك إلى وقت أطول.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»