النفي الصعب

TT

قبل التلفزيون كان من السهل نفي وقوع الأحداث مهما وقعت. أو كان من السهل، على الأقل، اتهام الوسائل المكتوبة أو الإذاعية بأنها ضخمت الحدث وبالغت فيه. لكن الكاميرا غيّرت طريقة تغطية الحدث وثقافتها. إنها لا تنقل الأشياء «في العمق» ولكن أفقيا وفي سرعة مذهلة. لذلك قال سيد التلفزيون الأميركي والتر كرونكايت إن التلفزيون «ناقل سريع للعناوين». نشرة إخبارية تعمل بالثانية والدقيقة، ولا يتعدى زمن «التقرير المعمق» أكثر من 5 دقائق في أفضل الأحوال.

ولأن من الصعب مواجهة الكاميرا بالنفي، فإن الأنظمة الغاضبة منها تحاربها بالمنع، كما حدث بين طهران و«العربية». لكن قرار المنع الموقت بدا عبثيا وبلا مفعول. «فالجزيرة» لم تكن أقل عرضا لأحداث العاصمة الإيرانية. والفضائيات العالمية الأخرى استمرت في نقل الأحداث لحظة بلحظة.

ومن الصعب، أو المستحيل، اتهام قناة تلفزيونية بالتحيز في نشراتها الإخبارية. فعندما تملك الصورة تدرك أن هذه هي مادة حياتها وحيويتها وموقعها في المنافسة، وهي أيضا منافسة قائمة على قياس اللحظات والثواني. لقد نقلت «العربية» و(السي.إن.إن) و(البي.بي.سي) الصور القبيحة التي التقطت في سجن أبو غريب، بمقدار ما تناقلتها المحطات والصحف الأميركية. وكانت الصور التي خرجت من فيتنام (ضابط أميركي يطلق الرصاص على رأس مقاتل من الفيتكونغ، أو صور مجزرة ماي لاي) هي التي لعبت الدور الأساسي في التأثير على رفض الرأي العام الأميركي لاستمرار الحرب.

منذ أشهر عقد المغني جورج وسوف مؤتمرا صحفيا لدى عودته إلى بيروت هاجم خلاله «العربية» لأنها كررت بث الخبر المتعلق بالعثور على 30 غراما مخدرات في غرفته في أحد فنادق السويد، مما أدى إلى إلغاء حفلته المقررة هناك وسفره السريع. قال يومها غاضبا: «ليس لدى (العربية) سوى هذا الخبر تبثه».

الواقع أن «العربية» (وغيرها) بثت عشرات الأخبار ذلك النهار. لكنها تعرف أن هناك جمهورا عربيا واسعا يهتم بأنباء المغني المعروف. والعنصر الذي تحكم بمتابعة الحدث عبر النشرات لم يكن بالتأكيد موقف الدكتور وليد الخطيب من السيد وسوف أو من غنائه. وأخشى أن الخطيب لا يستمع إلى الغناء حتى في العطلة الأسبوعية. لكن رئيس تحرير النشرة الإخبارية في التلفزيون، أولا وأخيرا، هو الحدث. الباقون تقنيون.