لكم دينكم ولي دين

TT

العقائد أيا كانت سماوية إلهية، أو أرضية وضعية، إنما هي (حاجة والتجاء) قبل أي شيء آخر، والله تعالى أنزل الرسالات على أنبيائه ليزيد من اطمئنان الناس ويحسن سلوكهم.

وهناك أمم وشعوب لم تصل لهم تلك الرسالات ولا سمعوا بها، فاخترعوا لهم عقائدهم اضطرارا ليتغلبوا على المجهول الذي يطاردهم من الولادة حتى الموت، مرورا بالألم والمرض والخوف، فعبدوا الشمس والنار والأحجار وحتى البشر منهم.

وفي مقالة كتبها الدكتور (سعد البازعي) يناقش فيها كتاب الباحث الألماني المستعرب (شيفان فايدنر)، وعنوانه (الأسئلة المخفية: محاولة للاقتراب من الإسلام).

ويعلق الدكتور سعد على ذلك قائلا: إن عنوانه لا يخلو من تضليل ـ لا أظنه مقصودا ـ لأنه معني بمسائل تخرج عما يوحي به العنوان، فهو معني بالمسيحية إلى جانب الإسلام.

ويمضي قائلا: وهو من ثم معني بالعلاقات الثقافية العربية الأوروبية، مثلما أنه معني بتسجيل مشاهداته وتحليلاته الذاتية التي تدخل في إطار السيرة الذاتية من ناحية، (والإنثروبولوجيا) من ناحية أخرى ـ انتهى كلام الدكتور سعد ـ، وما يعنيني هنا ما أورده المستعرب (فايدنر) من موقف تعرض له شاب سوري مسلم واسمه: (علي صابوني)، كان يسكن عند عجوز ألمانية طيبة تعتنق (الكاثوليكية)، وفي يوم وهي تتناول العشاء معه قالت له من باب الشفقة بما معناه: والله إنني أحبك يا سيد صابوني وأنت تعرف ذلك، لكنني لا أستطيع أن أخفي عليك أسفي من باب الأمانة، وإنه يؤلمني ويعز عليّ أن يكون إنسان مثلك ما زال كافرا، خسارة يا سيد صابوني أن تموت كافرا.

وهذا الذي قرأته ذكرني (بالضبط) ما سمعته من رجل فلاح مسن في منطقة (القصيم)، كان يتعامل مع مهندس زراعي مسيحي، ونشأت صداقة وحسن معاملة بين الاثنين، ويبدو أن الفلاح العجوز كان معجبا ومحبا لذلك المهندس، فما كان منه إلا أن يفاتحه في يوم من الأيام ويقول له مثلما قالت العجوز الألمانية للسيد صابوني، فقد قال له: يا مهندس (فلان): إنني والله لا أتمنى لك إلا الخير، فحرام أن تموت وأنت كافر، ومثلما جمعني الله بك في الدنيا على خير وجه، أتمنى أن يجمعني بك في جنات النعيم.

غير أنه لا الصابوني تزحزح عن عقيدته، ولا المهندس كذلك، وحسابهما عند الرحمن الرحيم.

وعلى الهامش أختم هذا المقال (العقائدي)، بما رواه أحدهم قائلا لي: سافرت قبل عدة سنوات إلى بلاد في الشرق الأقصى، وبينما كنت أركب (التاكسي) من المطار إلى الفندق، وإذا بالسائق (يطير بين السماء والأرض) بسرعة جنونية، فأخذت أصيح به أن يهدئ السرعة، غير أنه لم يعبأ بكلامي، وكل ما كان يفعله أنه يهز رأسه كنوع من التذمر، وعندما ضاق ذرعا بإلحاحي قال لي: اسمع أنكم تؤمنون في ديانتكم أن للإنسان حياة واحدة على الأرض لهذا أنت خائف أن تفقدها، غير أن عقيدتي التي أؤمن بها تؤكد أن للإنسان عدة (حيوات)، وكلما مات تحول إلى حياة أخرى، وأنا غير راض بحياتي الحالية التي أعيشها الآن، لهذا فلا يهمني أن أفقدها، بل إنني أتمنى ذلك لأحصل على خير منها.

ويقول: عندما سمعت ما تفوه به السائق تحول خوفي إلى رعب عظيم، فأخذت أرجوه وأطلب منه أن يتوقف نهائيا، ونزلت من سيارته مع حقائبي وحاسبته، (وتشهدت) وكأنه قد كتب لي عمر جديد.

وما أن أخذ نقوده مني حتى (فحط) بسيارته، وصرير كفراتها تكاد تخرق طبلة أذني.

ولكن صدق الله العظيم القائل في محكم كتابه: «لكم دينكم ولي دين».

[email protected]