الساحات والقانون

TT

الحكم ثقة. والثقة تعني أن المواطن مطمئن إلى أن المسؤول يطبق القانون وأن المعارضة ليست لديها مطالب خارج القانون. الإعجاب أمر آخر مختلف تماما. أيام الرئيس جمال عبد الناصر كان المصري يكن له إعجابا عارما. لكن المواطن نفسه، سواء كان بسيطا عاديا أو نخبويا، كان في قرارة نفسه يشكو ويشكك في ممارسة القانون. في اللحظة الحاسمة، أي لحظة خسر الزعيم العربي الأكثر شعبية الحرب العربية الأكثر غموضا، لجأ عبد الناصر إلى الجماهير التي تحبه لا إلى المجالس التي تطبق القانون.

مشكلة، أو خطر اللجوء إلى الجماهير، أنها سيف ذو حدين. لكل فريق في نهاية المطاف جمهوره. وأخطر شيء أن تضع هذه الجماهير في مواجهة بعضها البعض. لماذا؟ لأن الجماهير تجهل القانون جهلا مفزعا ولا تهتم به وتنتظر أي مناسبة للإفلات منه. ظن المحافظون في إيران أنهم يملكون جميع الجماهير، فإذا بهم يخسرون المعركة التلفزيونية بعد خروج الإصلاحيين إلى الشوارع. كان هناك انطباع عام بأن المعارضة في إيران ضعيفة وتخاف الحرس الثوري وغير مستعدة لأي مواجهة. لكن ما إن وضع نجاد القانون جانبا ودفع بمناصريه إلى «ساحة الثورة» حتى دفع محمد خاتمي بمناصريه إلى ساحة الحرية.

يذكر ذلك طبعا بحشود 14 آذار المعارضة لسورية في ساحة الشهداء في بيروت ثم حشود 8 آذار في ساحة رياض الصلح المحاذية. عندما تدعو الجماهير للخروج لا يعود في إمكانك دعوتها إلى العودة. بدأت حركة أيار 1968 في فرنسا بتظاهرة طالبية وانتهت بفوضى شاركت فيها جميع الأحزاب ونقابات العمال.

عندما اختلفت النتائج في انتخابات جورج بوش وآل غور، تم اللجوء إلى المحاكم. اللجوء إلى الجماهير كان سيؤدي إلى اللجوء إلى العسكريين واللجوء إلى العسكريين كان سيؤدي إلى حرب أهلية. لذلك فضل آل غور أن يخسر الرئاسة، على بضعة أصوات، على أن يخسر أميركا، عندما رأى تشدد آل بوش ومشاريعهم ومن معهم.

العالم الثالث لا يقترع من أجل الدولة والقانون بل كل فريق يقترع ضد الآخر. وعندما ينزل الفريقان إلى الساحات يتبين مدى العداء والخلاف بينهما. ومثل تظاهرات بيروت رفع متظاهرو طهران الإصلاحيون يافطاتهم بالإنجليزية. إنهم ينادون على العالم. لقد فتحت الساحة.