ماذا يريد الإيرانيون؟

TT

من الغريب أن تسمع انتقادات المعلقين حول الانتهاكات في انتخابات الجمعة الإيرانية. وكما يقول أحد زملائي في إذاعة فاردا الفارسية لمحطة راديو أوروبا الحرة/ راديو الحرية: بدأت الحكومة في الإعلان عن النتائج قبلما يمكن أن تكون الأصوات قد أحصيت. وقد دفع إحساس عام بضياع العدالة بعشرات الآلاف إلى شوارع طهران والمدن الأخرى.

وبالتأكيد، وقبل أن يجرى التصويت، كنا نعرف أن هناك مشكلات، فمجموعة من الرجال المعروفة باسم «مجلس صيانة الدستور» هي التي تختار الأشخاص المسموح لهم بالترشح للانتخابات الرئاسية في إيران.

ونحن نعلم أن الانتخابات لم تجر في ظروف «نزيهة وسليمة» كما يدعي الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد.

فمجموعة «مراسلون بلا حدود» وهي المنظمة التي تدافع عن حرية الصحافة والتي يقع مقرها في باريس تطلق على إيران «السجن الأكبر» للصحافيين في المنطقة وتقوم الحكومة بانتظام باعتقال المعارضين.

وعشية الانتخابات أغلقت مواقع الإنترنت وأعيقت الرسائل النصية على الهواتف الجوالة. وتم رصد موجة من الاعتقالات منذ يوم الانتخابات (عدد يبلغ العشرات على الأقل) وفي مساء اليوم الثاني من الانتخابات أخبرت صحافية من طهران تبلغ من العمر 28 عاما أحد صحافيينا أن أعضاء من الاستخبارات الإيرانية ذهبوا إلى مكتبها واعتقلوا أحد زملائها. ولا تعد الانتهاكات في الانتخابات مفاجئة.

ما هي تفضيلات معظم الإيرانيين؟ من الصعب معرفة ذلك. لقد تعاقدنا من الباطن مع مجموعة استقصاءات في دولة مجاورة لاكتشاف كيف يستمع العديد من الناس إلى راديو فاردا. وفي استقصاء حديث قدرنا حجم جمهورنا بحوالي 2.5% من حوالي 50 مليون مستمع إيراني، وبعد أن قامت نفس الشركة باستخدام وسيلة الاتصالات الهاتفية نفسها، ولكنها سألت الأسئلة بطريقة مغايرة توصلت إلى نسبة استماع تصل إلى 24%.

وقد شوشت الحكومة الإيرانية على إشارات الراديو وأغلقت مواقع الإنترنت وهددت الصحافيين في براغ (لم يسمح لنا بإنشاء مكتب في طهران) وحذرت الناس داخل البلاد بألا يتحدثوا معنا. ويمكنني المراهنة على أن الإيرانيين لا يخبرون مستطلعي الآراء بالحقيقة الكاملة حول عادات الاستماع لديهم وربما حول العديد من الأشياء الأخرى.

ولكن هذا ما سمعناه من مستمعينا اليوم: هناك إحباط، ورعب، وشعور بالإهانة كما أخبرنا العديد من الناس عبر الرسائل الإلكترونية والاتصالات الهاتفية وعبر موقع الفيس بوك وتويتر.

تحدث أحدهم حول كيف أن المواطنين الغاضبين كانوا يشترون الصحف اليوم التالي للانتخابات، لكي يحرقوا العدد الذي يعلن فوز نجاد. وتنبأ آخر قبل يوم الانتخابات أنه لتوفير الوقت سوف تبدأ وزارة الداخلية في عد الأصوات قبل أن يذهب الناس إلى الاقتراع.

أمر غريب: فقد أعلن عن فوز نجاد بالأغلبية، حيث فاز بثلثي أصوات البلد بأكملها من بين أصوات الشباب والعجائز والرجال والنساء، بينما خسر معارضوه خسارة فادحة في مقاطعاتهم التي يعيشون فيها.

وكل ذلك ليس لنقول إن نجاد لا شعبية له. فربما سر جاذبيته يكمن في نسخته الخاصة من القومية أو وجهات النظر المعادية لإسرائيل بحدة؟ أو ربما هي الإعانات التي أغدق بها على الناس. أخبرت إحدى السيدات «فردا» أنها دعت أصدقاءها لكي يحتشدوا ويؤيدوا الرئيس لأن نجاد «يقف بصلابة ضد الولايات المتحدة ويتحدث عن مشكلات الفقراء». ولكن الحقيقة هي أننا لا نستطيع معرفة ما الذي تفكر فيه الأجزاء المختلفة من المجتمع الإيراني بالتحديد.

ولكن أشياء مثل وسائل الإعلام الحرة، والمجتمع المليء بالمؤسسات غير الحكومية، واستطلاعات الرأي في مجتمع خال من مخبري البوليس السري وانتخابات حرة ونزيهة للحد الأقصى، تعطينا بالطبع فكرة عما يدور بخلد الناس.

كيف نستمر إذن وسط الفوضى؟

من المرجح أن تزداد حدة الاحتجاجات في إيران، ولكنها سوف تختفي كذلك بسرعة إذا لم تنجح المعارضة في تعبئة الطبقة الوسطى وتوفير إستراتيجية متماسكة ودوافع للاستمرار. وسواء كان سلميا أو عنيفا (بالفعل قتل على الأقل أحد المحتجين)، تدريجيا أو مفاجئا، فإن الإيرانيين الشجعان سوف يكسبون أو يخسرون الديمقراطية.

ومع ذلك، سيكون من الغباء أن نعتقد أن الغرب ليس لديه دور ليلعبه، فالإيرانيون الذين تحدثنا إليهم يرغبون في أن تتدخل الولايات المتحدة. فهم يقولون: تواصلوا مع الحكومة الإيرانية وأخبروا الرئيس نجاد أنه إذا كان واثقا من أنه فاز في تلك الانتخابات فإنه يستطيع الإفادة من فتح البلاد أمام فريق من المراقبين الدوليين للتحقق من النتائج.

ويقولون: أخبروا حكومة إيران أن عليها أن تسمح بحرية وسائل الإعلام واحترام تدفق المعلومات والأفكار.

ويقولون كذلك إننا يجب أن نضغط على طهران حتى تحجم السلطات عن استخدام العنف ضد المحتجين المسالمين، وهذا أقل ما نستطيع فعله. إن التأكيد على أهمية تلك الأمور ربما يقربنا من معرفة ما الذي تريده الأغلبية في إيران، ويذكرنا بأهمية التواصل مع الحكومة الإيرانية نيابة عن الشعب الإيراني.

* رئيس لإذاعة أوروبا الحرة/إذاعة الحرية والتي يمول الكونغرس الإذاعة التابعة لها والتي تبث باللغة الفارسية ويطلق عليها راديو فاردا (إذاعة الغد) وتبث باللغة الفارسية أخبارا غير خاضعة للرقابة وموسيقى في إيران على مدار الساعة

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»