مرة أخرى!

TT

المصمقال «إنذار» الذي نشرته الأسبوع الفائت والخاص بالقضية الكبرى المعروفة المتعلقة بالخلاف المالي والتجاري بين شركتين كبيرتين في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، لقي الكثير من التعليقات والاستفسارات اللافتة التي جعلتني أتوقف مليا عند أغلبها وأراجعها بتأنٍ، حتى وصلت لقناعة كاملة أن القضية بحاجة للمزيد من الشرح والسرد والتعمق من أجل معرفة «حجم» المشكلة وأبعادها. بداية، لا بد من الفصل «العاطفي» في التعاطي مع قضية بالغة التعقيد وشديدة الأهمية. فهذه قضية مالية تجارية «مزعجة» في شكلها وتفاصيلها. الموضوع يتخطى شركة اقترضت وأخرى تعثرت وديونا تراكمت، هناك لفظ معروف في عالم التحقيق المالي والمصرفي وهو الـPAPER TRAIL أي «الأثر الورقي»، والمعنى هنا هو مجموعة الوثائق المتعلقة بنهج وأسلوب إدارة تلك القروض والعلاقات المعقدة التي تكونت لأجلها حتى انفجرت المشكلة ووصلت إلى ما هي عليه. أسئلة كثيرة يجب طرحها: كيف تم استخدام وكالات شرعية مشبوهة في صلاحيتها لأجل إدارة وتحريك أصول وأموال؟ كيف تم التصرف في أصول مملوكة لأشخاص آخرين دون موافقتهم؟ كيف تم الحصول على القروض بالمليارات دون وجود الضمانات الكافية لها؟ طرف واحد استفاد من كل ذلك و«طور» أعماله بالغوص في الاقتراض حتى النخاع، طرف واحد ورط الآخرين وأغرقهم معه.

عشرات المصارف متورطة في مستنقع الديون هذا.. ديون معدة بأسلوب لا مجال للصدفة ولا للإهمال الإداري ولا للنسيان فيه، ولكن القصة فيها مؤشرات توحي بأن المسألة فيها الكثير من الدراية المسبقة بما هو مقدم عليه وبإصرار وترصد واضح مع الإدراك التام لأحجام الضرر التي ستتحملها كافة الأطراف الأخرى. هذه قضية بالغة التعقيد حقا، ولكن الطرف الذي استفاد والذي ورط الآخرين واضح ومعروف والأثر الورقي يقوي حجم الأدلة بحق المخطئ. هذه القضية ستشكل سوابق مهمة في القانون المصرفي والأنظمة المالية وفي أنظمة الشركات العائلية وفي قوانين البنوك المركزية وفي أساليب التعاطي من قبل أجهزة الإعلام والغرف التجارية والأجهزة الرسمية وشركات العلاقات العامة والمحامين والمحاسبين القانونيين في التعامل مع هكذا أزمة، ولا أستبعد حين الانتهاء من القضية وظهور الحق أن تدرس في كليات إدارة الأعمال لكونها تحتوي على كم غير عادي من الدروس المستفادة والجديدة. الطريق إلى الجحيم ممهد بحسن النوايا، كما يقول المثل الإنجليزي المعروف، وبالتالي من الضروري الفصل العاطفي بين القضية والأدلة المهمة التي تضمنتها وبين التغني بأفعال الخير للمخطئ وغير ذلك من القصص التي لا تفيد في إظهار الحق وعلاج قضية مست مصالح وسمعة ناس لا علاقة لهم بهذه الألاعيب الخطيرة. الكل يتوقع من الجهاز المصرفي في البلد الذي عرف عنه صرامة الرقابة البنكية أن يكون الحراك القانوني سريعا لإزالة الظلم عن الفريق المتضرر ومعاقبة المخطئ بفعالية وحسم.

[email protected]