هل يمهد نفط كردستان لحل سلمي في الموضوع الكردي – التركي؟

TT

على مرأى ومسمع من قوات حزب العمال الكردستاني المتمركزة في جبال قنديل والتي مددت عملية وقف النار من جانب واحد لستة أشهر جديدة «إعطاء للراغبين فرصة التحرك نحو إيجاد الحل السلمي في الموضوع الكردي» بدأت قيادات شمال العراق استخراج نفط آبار طق طق وطاوكي وتسليمه إلى تركيا عبر خط كركوك – جيهان لتأمين تصديره إلى أوروبا ضمن مشروع تعاون شامل رعته أوروبا ووافقت عليه بغداد وباركته واشنطن.

بالأمس القريب كانت الفضائيات تقوم بعملية نقل مباشر لاحتفال دولي كبير في قلب عاصمة شمال العراق، أربيل، ظهر فيه الرئيس العراقي جلال الطالباني ورئيس إقليم الشمال مسعود البرزاني جنبا إلى جنب يعلنان بداية هذه الحقبة الجديدة من تاريخ مناطق نفوذهما، مكرسين بذلك مقولة أن النفط كان ومنذ البداية صاحب دور البطولة والكلمة النهائية في حملة العراق التي أعلنت بأسماء ومصطلحات مستعارة وقتها، بينها حمل الديمقراطية والترويج للحرية ونشر السلم والعدالة في العراق. قرار ضخ النفط من إقليم كردستان في شمال العراق أفرح الكثيرين وأنقذهم من ورطة مزمنة تنتظر دون حل.

أفرح أكراد العراق الذين نجحوا في استغلال مواد الدستور العراقي المعلن عام 2005 وترجمته بما يخدم مصالحهم على طريق تعزيز نفوذهم في الإقليم والتلويح بورقة التمسك بوحدة العراق وفيدراليته ما دام الآخرون يوافقون على طلباتهم. فرغم أن طالباني وصف ما يجري بالرد الأنسب على كل الحملات والانتقادات التي توجه لنا حول خطط الانفصال والابتعاد عن المركز (بغداد) ومحاولة تفتيت العراق وضرب وحدته، فإن وزير الموارد الطبيعية الكردي أجاب مصعدا.. «قالوا إننا لن نتمكن من التصدير وها نحن نبدأ به وقالوا إننا سنتعرض للمقاطعة لكن هناك أكثر من 30 شركة دولية تتسابق على توقيع الاتفاقيات معنا. هل سيظل أكراد الشمال يراهنون على بغداد وموقعها ودورها إذا ما جاءت نتائج الاستفتاء حول كركوك بعكس ما يشتهون ويتوقعون؟».

أفرح ثانيا الأتراك الذين قرروا ابتداء من مطلع العام الحالي إطلاق استراتيجية جديدة في التعامل مع شمال العراق تختلف كليا عن السياسات القائمة منذ عام 2003 ولتكون هذه الخطوة باكورة السياسة التركية الجديدة. فيما كان ممثل الشركة التركية المستثمرة في المشروع يشيد بجودة المستخرج العراقي، كانت أنقرة تدافع وتبرر خطوتها هذه بأنها كلما ابتعدت عن أربيل واعتمدت سياسة منتقدة تصعيدية، اقترب الآخرون منها عارضين خدماتهم التي ستكون في النهاية على حساب تركيا ودورها ونفوذها ومصالحها. لكننا لا نعرف بعد ما الذي ستقوله حكومة «العدالة والتنمية» عندما تبدأ حملة الاستفتاء حول مصير مدينة كركوك ومستقبلها السياسي والدستوري وعندما تعصف رياح الانتخابات المتوقعة في شمال العراق في أواخر الشهر المقبل بعكس ما تشتهيه السفن التركية.

أفرح أيضا الحكومة المركزية في بغداد التي تجلس فوق بركان مهدد بالانفجار في أية لحظة، فأقنعها بالتعاون لتخرج من مأزق العجز المالي الذي تعاني منه بسبب تراجع أسعار النفط العالمية عبر حصولها كل مساء على 5 ملايين دولار تدخل خزينتها، وهي قادرة على زيادة المبلغ بقدر ما تقدم من تسهيلات، رغم معرفتها التامة بخطورة ما يجري لناحية السماح للشمال بحق استخراج النفط واستثماره باسمها ونيابة عنها، وهي تعرف أن خطوتها هذه تعني أن الإقليم لن ينتظر بعد الآن قراراتها التي لا تصدر سوى متأخرة وتضر بمصالح العراق، كما يقول. الأيام المقبلة ستكون أكثر وضوحا في إظهار حجم الأزمة ومدى عجز حكومة المالكي عن التعامل مع ما يجري بعدما أسهمت بشكل أو بآخر في عملية إبعاد البعض عن المعادلة السياسية الجديدة ومنح خيار الطائفية والمذهبية فرص التمركز والتحكم.

عدم صدور الكثير من القوانين والتعديلات الجذرية في دستور العراق المعلن بغطاء أميركي وإفساح المجال أمام البعض لاستغلال حالة التشرذم والانقسام في بغداد تعني الحكومة العراقية قبل غيرها، وما صدور قانون النفط في إقليم شمال العراق ضمن معادلة اربح – اربح قبل صدور هذا القانون على مستوى الدولة سوى مؤشر بسيط على مستوى حجم الكارثة المحدقة بالبلاد.

حكومة أردوغان، التي قررت هذه المرة الدخول إلى شمال العراق ليس عبر جيشها لمحاربة قوات حزب العمال الكردستاني بل عبر شركات استثمار نفطية تشارك في حفر الآبار واستخراج النفط والغاز والمساهمة في نقله عبر حدودها إلى أوروبا، لن تنسى بمثل هذه السهولة ملف كركوك ومصيرها، خصوصا وأن طالباني يقول أن لا مساومة على مستقبل مدينة كركوك وأنه ليس على استعداد لمقايضة هذه المدينة بأي ثمن. فمرحلة ما بعد الاستفتاء حول كركوك والانتخابات في شمال العراق قد تلزم أنقرة بقبول النتائج التي طالما رأت فيها خطا أحمر لا يمكن تجاوزه. فهل ستتمسك تركيا عندها بسياستها الجديدة هذه عندما تتوسع رقعة المواجهة بين بغداد وأربيل أولا، وبين أنقرة وأربيل ثانيا؟

*كاتب وأكاديمي تركي