«زار»

TT

يقول مرشح الرئاسة الإيرانية مير حسين موسوي إن إرادة الشعب الإيراني زورت في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. تلا ذلك احتجاجات قادت إلى قتلى وأعمال شغب قد تتعاظم وتقود لما لا تحمد عقباه.

رحت أستذكر انتخابات في مناطق مختلفة من العالم، من بلدي الكويت ـ التي لا تزال بعض الطعون في انتخاباتها البرلمانية الأخيرة منظورة أمام القضاء، مرورا بلبنان التي لا تزال ادعاءات تدخل المال السياسي، النظيف وغير النظيف، تشوب انتخاباته. بل حتى الولايات المتحدة الأميركية شابت انتخاباتها التي أوصلت جورج بوش الابن إلى الرئاسة بولايته الأولى كثير من اللغط و«التزوير»، ومن لا يصدق فليسأل منافسه آنذاك آل غور.

ليس الهدف من هذا المقال تسجيل موقف من الانتخابات الإيرانية الأخيرة، فذاك لن يحدده سوى الإيرانيون وحدهم، آخذين في الاعتبار أن الاستقرار والسلام والتعايش داخل إيران، يصب في مصلحة المنطقة برمتها.

كثرة ترديد كلمة «تزوير» وارتباطها بالانتخابات شدني للبحث عن أصل هذه الكلمة وجذرها ومعانيها المترابطة، بشكل أو بآخر.

التزوير جاءت من «زار»، والتي تفرعت لمعان عديدة يتصل بعضها بالتزوير بمعناه الشائع، أي تزييف الحقائق، وبعضها يبدو ظاهريا على غير صلة به. فمن «زار» جاءت الزيارة أو التزوارة والزَّوور أي كثير الزيارة.

وعلى عكس ما هو شائع فإن «الرجل الزير» لا تعني المزواج الفحل الكثير الجماع، بل تعني الرجل المحب لمحادثة النساء وملاطفتهن فقط، إلا إذا كان قد «زارها زيرة الحب» كما يقال، فذاك شأن آخر.

ولعل حفلات «الزار» جاءت من ارتباطها بزيارة المزارات والأضرحة الدينية التي يحييها زوارها بأناشيد وأدعية.

وأعلى الصدر هو الزور، والمصريون يقولون: «وقف في زوري» كناية عن الضيق من شخص لحوح. ويقال في العامية: «أوقف لقمته في زوره»، كناية عن البهتان الذي قاله عنه. وزاوورة القطاة هي حوصلتها التي تحمل بها الماء لفراخها.

ومن معاني الزور الميل فيقال رجل أزور أي رجل استدق صدره أو به ميل. وخولة بنت الأزور مقاتلة باسلة أبلت بلاء فريدا في معارك العرب ضد الروم ببلاد الشام.

والمنارة الزوراء هي المنارة المائلة، وتسمى بغداد قديما بالزوراء لازورار قبلتها.

ويقال في الأمثال: «قوم عن الحق زِوَرْ» أي أنهم مائلون عنه. ويدعي المعارضون الإيرانيون أن الحكومة الإيرانية قد زوّرت (مالت) عن المرشح موسوي لصالح نجاد. ومن مشتقات زار «الزّور» بمعنى القوة، فيقال: «ما له زورٌ ولا صيُّور»، أي لا حول له ولا قوة، مثلما قيل إن بوش أخذ الرئاسة من غور بالزور، أي بالقوة. وتقول المعارضة الإيرانية بأن نجاد أخذ الرئاسة «زورا» أي بالقوة. ويأمل كثيرون أن تنتهي الاحتجاجات والمظاهرات بنهاية «تزْوَر» زَوْرها أي تعدّل ميلها.

وزوير القوم هو قائدهم، وفي الخليج يقال «صارت حق عوير وزوير» كناية عن أنها أصبحت مستباحة لعلية القوم وسفلتهم. لكن يبدو أن كلمة «زوير» في اللهجة الخليجية أصبحت مرادفة لعوير بالمعنى لكثرة ارتباطها بها من خلال هذا المثل، وكثيرون يرون أن زوير وعوير معناهما واحد.

ولعل أكثر معاني الزور استعمالا هو معنى الكذب والباطل والشرك. والزور أقوى من الكذب، لأنه تزيين الكذب وقلب الحقيقة، وارتبطت شهادة الزور ـ أي قلب الحقيقة ـ في الدين الإسلامي بالشرك.

ويأمل كثير من الإيرانيين أن يقوم زوير إيران أي سيدهم وزعيمهم، ومرشد الثورة بما يطفئ لهيب الثورة المشتعلة ويبعد إيران عن الزور، وأن يدعو إلى إعادة الانتخابات الرئاسية التي لا بد ـ إن أعيدت ـ أن تكون بإشراف دولي كأي انتخابات نزيهة ليوقف اللغط والاعتراض حول نتائجها.