إيران في أي اتجاه؟

TT

لا أعتقد أنه خطر ببال أحد أن ينقلب حفل الانتخابات في إيران إلى انتفاضة شعبية. كلنا نتفهم أن الرأي العام في الداخل مل من صيغة النظام القاسية الحالية، لكننا لم ندرك حجم الإصرار عند الشباب الإيراني على الاعتراض الهادر.

ماذا حدث حتى اندلعت هذه الثورة التلقائية؟ الجواب يكمن في استهانة النظام بأزماته الداخلية، واعتداده بقدراته الأمنية على قمع خصومه. وخصومه الذين نتحدث عنهم هنا ليسوا تنظيم مجاهدي خلق، أو التيار الملكي في الخارج، أو الانفصاليين، بل هم أبناء النظام، ويقودهم رجال من النظام.

والأهم من السؤال عن السبب، هو البحث في أي طريق ستذهب الثورة الخضراء؟

هل لأنها ولدت فجأة ستموت فجأة أم العكس، ستتدحرج ويكبر شارع المتمردين؟ هل ستصمد زمنا أطول، إلى أسابيع كافية، حتى لو ارتفع عدد القتلى والجرحى والمعتقلين؟ هل يمكن أن يتراجع المرشد الأعلى ويقبل بإجراء انتخابات جديدة وبالتالي يحتوي الأزمة؟ أم يقمع الانتفاضة بإعلان حالة الطوارئ، ومنع حظر التجول؟ هل ستسهل الانتفاضة على قيادة الحرس الثوري استلام الحكم بشكل كامل ومباشر؟ وهل ستقف القوى الأخرى على الحياد من جيش وغيره؟ وماذا عن موقف القوى الخارجية في حال حدوث فوضى سريعة؟

كما نرى، الجميع أخذوا على حين غرة، ففي واشنطن خلاف حول لغة التعامل مع المظاهرات، بين داع إلى أن يتخلى الرئيس الأميركي عن موقفه المتحفظ ويؤيد المتظاهرين، وبين محذر من التورط.

الجميع في ارتباك، ومستقبل الأيام المقبلة غامض، لأن الاحتمالات المقبلة مفتوحة ومتناقضة.

ربما ينجح القمع وتخمد جذوة الغضب، ولا يتغير شيء.

وقد يبادر النظام بمعالجة الصراع بحكومة تضم المعترضين.

أو يقبل المرشد بإعادة الانتخاب ويرضى بموسوي رئيسا إن فاز بها.

أو يقفز الحرس الثوري في انقلاب معاكس، بدعوى أن هناك مؤامرة غربية لإسقاط الثورة.

أو تنقسم البلاد في حرب أهلية بين فريقين بمشاركة قواعد النظام الأمنية والعسكرية.

في تصوري أن الانتفاضة الشعبية ضد النظام لن تذهب بعيدا بسبب قسوة المواجهة وعدم وجود أي مؤشر على انشقاق في الأجهزة الأمنية والعسكرية، التي بدون تأييد من بعضها لن تفلح.

ورغم الاختلاف على قراءة الاحتمالات المقبلة، فإنه يوجد شبه إجماع على أن إيران أمس ستتبدل، سواء إلى الأسوأ أو الأفضل، وأن النظام يشعر اليوم لأول مرة بخطر داخلي أكيد. الأسوأ أن يخاف فيتشدد ويبالغ في المواجهة الداخلية والخارجية. والأفضل أن يستيقظ النظام ويكتشف الفارق الهائل بين شعاراته ومطالب الشارع، فيختار المصالحة من خلال التراجع عن مشاريعه ومغامراته.

لكن المؤشرات الحالية تبين أن قيادة طهران عمياء عن رؤية الحقيقة بإصرارها على اتهام مئات الآلاف من أبنائها بأنهم يدارون بأيد أجنبية، هذا التفكير سيزيد من غرقها، لأنها عاجزة عن فهم أن ستين في المائة من سكانها اليوم ليسوا أبناء الثورة، وطموحاتهم ليست طموحاتها.

[email protected]