وإذا أكلنا لا نشبع

TT

شاعت بيننا هذه الحكمة القائلة: «نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع». وهي حكمة توجز حياة العرب تاريخيا وتتجسم في سلوك الجمل. كلاهما من نتاج البيئة. كل وتزود بالأكل، حيثما وجدت الأكل أمامك فقد لا تجده يوم غد. مع ظواهر البخل والكرم والتطفيل مما ترتب على حياة الجوع والفقر، نشأت ظاهرة النهمة. ولا شك أنها كثيرا ما ارتبطت بحياة الطفيليين. فالطفيلي لا يدري متى سيمن الله عليه بوليمة أخرى فيحاول أن يتزود ويختزن بما هو أمامه. وقد وردت عن النهمة والنهماء حكايات وطرائف كثيرة، حتى قالت العرب فلان يحاكي حوت يونس في جودة الالتقام وعصا موسى في سرعة الالتهام.

وذاعت شهرة بعض نجوم النهمة في تاريخنا العربي. كان منهم أبو مرة. سألوه يوما أي الطعام أحب إليك فقال: «لحم سمين وخبز سميد أضرب فيه ضرب ولي السوء في مال اليتيم!». وكان منهم هلال المازني حكى عنه ابن عمه صدقة بن عبيد المازني قال: أولم لي أبي عندما تزوجت فعمل عشر جفان (قصعة) ثريد من جزور. فقدمنا له جفنة مترعة فأكلها، ثم أخرى فأكلها حتى أتى على الجميع. ثم أتي بقربة مليئة بالنبيذ فجعل طرفها في شدقه وأفرغها كلها في جوفه.

وقيل إن عبيد الله بن زياد كان يأكل يوميا خمس وجبات. استضافه شخص من بني شيبان وهو في طريقه إلى الكوفة. ذبح له عشرين طائرا من الأوز فأكلها ثم قدم الطعام له فأكله ثم جيء بزنبيلين في أحدهما تين وفي الآخر بيض فجعل يأكل من هذا تينة ومن ذاك بيضة حتى أتى عليه جميعا. ثم رجع وهو جائع!

وذكر للمهدي أن ميسرة البراش كان يأكل الكبش العظيم مع مائة رغيف من الخبز. فاستدعاه وراح يمتحنه. يلقي إليه رغيفا بعد رغيف وهو يأكلها حتى بلغ تسعة وتسعين رغيفا. ثم ألقى له بالرغيف المائة فعجز عن أكله!

وحدث الشيخ نبيه الدين الجوهري عن الشيخ الإمام عز الدين بن عبد السلام أن معاوية بن أبي سفيان كان يأكل كل يوم مائة رطل بالدمشقي ولا يشبع.

ونزل رجل بصومعة راهب فقدم إليه الراهب أربعة أرغفة وذهب ليحضر إليه العدس فلما عاد، وجده قد أكل كل الخبز. فذهب ليأتي بمزيد من الخبز فلما عاد وجده قد أكل كل العدس. وفعل ذلك معه عشر مرات. يأتي بالخبز فلا يجد العدس ويأتي بالعدس فلا يجد الخبز. فسأله الراهب، أين مقصدك. قال إلى الأردن. قال لماذا؟ قال بلغني أن فيها طبيبا حاذقا أسأله عما يصلح معدتي، فإنني قليل الشهوة للطعام. فقال له الراهب: إن لي حاجة إليك. قال ما هي؟ قال إذا ذهبت وأصلحت معدتك، فلا تجعل رجوعك علي!

www.kishtainiat.blogspot.com