اسمع يا كارل

TT

سبب أنني أقرأ الآن في كتاب «الرأسمال» للرفيق كارل ماركس نفسه، لن يصدقه كارل على الإطلاق. فالكتاب الذي وضعه على أساس أن يغير العالم، يباع الآن في كل المكتبات السعودية بمبلغ 18 ريالا، قبل الخصم. وقد يعجب الرفيق كارل أكثر، عندما يعرف أن الناشر هو أسرة العبيكان المحافظة، بل الشديدة المحافظة. ولو حاول أن يتصل بدار النشر للاستفسار عن مبيعاته، فسوف يسمع ترانيم دينية وابتهالات، قبل أن يحول على المحاسب.

الأرقام ليست لافتة ولا مثيرة، عزيزنا كارل. وأنا حقا آسف. الجيل الجديد يقرأ كتب الإدارة والنجاح ويسير رجال مثل وليم بافيت وريتشارد برانسون، صاحب طيران «فيرجين»: وكتابك عاد كما كان، مجرد أثر أدبي مليء بالخيال وحاشد باللعنات. ناهيك بتلك التوقعات المثيرة في رومانسيات القرن التاسع عشر: غدا عالم يسيطر فيه العمال على كل شيء ويملأ الوفر الدنيا ولا تعود هناك حاجة إلى الشرطة.

اقرأ واضحك يا كارل. يا لك من أديب خصب الفكر. عندما أقرأ «المنانيفستو» أتذكر يوم كنت أنا أيضا على وشك أن أغير العالم. وما زلت أحلم بأنه ربما سوف يصبح غدا عالما جميلا مليئا بالطيبين والمؤنسين والصالحين. النسر يجالس البلابل والكنار يغني والدببة ترقص، والفرنسيون كرهوا التظاهرات، وأهالي باكستان يوزعون الأرز في الشوارع، والملا عمر يتناول فنجانا من الشاي مع أساتذة المدارس في تورا بورا.

تعرف ما هي المشكلة؟ لقد لجأت إلى الأسلوب الأدبي الجميل لكي تغطي دعوة مليئة بالعنف. أحيانا تبدو، وقد جاع من حولك أطفالك وأرسلت زوجتك لكي تبيع الملاعق والشوك الفضية، وكأنك تكتب بفأس. وأحيانا كأنك طرزان، لا عوائق أمامك، لا طبيعة بشرية، لا أنانيات عمرها من عمر اليوم الأول.

اللهم لا شماتة في أي حال. لكن قراءتك مسلية ومثيرة. لعله مشاهد الحدائق في هامستد. من هناك أيضا خرج إلى الأدب العالمي مدقع آخر يدعى كولن ولسون. كان عكسك تماما. يتأمل في أعماق الناس وفي جوهر البشر ويرى عالما عائما فوق الميلانخوليا. ويرى كتّابا يصنعون فلسفة الحروب والإلغاء وكتّابا يهربون إلى الحزن واليأس ويجلسون على أغصان التاريخ مثل البلابل وإذ يتأملون الدنيا التي يكتبون لها يضعون للقصيدة عنوان «الأرض اليباب».