إن لك عنقا جميلا

TT

ذهبت إلى أحدهم لزيارته وتناول القهوة والشاي في مجلسه المتواضع والعامر دائما بكل الفئات والطبقات من الناس.

كنت يومها مبتهجا على غير عادتي، وليس هناك من سبب واضح أجبرني على ذلك الابتهاج، ولكن قد يكون للسكينة التي نزلت على فؤادي في هذا الصباح المشرق دور في ذلك.

ولفت نظري رجل أشاهده لأول مرة هناك، كان ضخما وداكن البشرة وقليل الكلام ومتجهما ومتحفظا إلى أبعد الحدود، ولاحظت أنه من أول ما دخلت وجلست وهو مركز نظراته عليّ.

وفجأة التفت لي ذلك الرجل وطلب مني أن أرفع رأسي وأمد رقبتي إلى الأعلى بأقصى ما أستطيع، ففعلت ذلك بكل براءة، وإذا به يطلب مني كذلك أن ألتفت إلى الخلف، لم أطاوعه هذه المرة لأنني جزمت أنه يريد أن يأخذني «أضحوكة» يتسلى عليها، وتأكد لي ذلك عندما لاحظت بعض الحضور يبتسمون.

والذي أغضبني جدا عندما توجه لي بكل «قواية عين» قائلا ـ بما معناه ـ: إن لك عنقا جميلا.

يا إلهي! تصورت أن الأرض قد انشقت وابتلعتني. ما هذه السماجة، وما هذا الغزل الممجوج؟! وخطر على بالي أن أرتكب في تلك اللحظة جريمة تتحدث عنها كل وسائل الإعلام، غير أنني تراجعت عندما وجدت أن المجال لم يكن مناسبا.

وتحولت بهجتي إلى نكد ولزمت الصمت، رغم محاولة البعض لجرّي على الكلام، وبعد نصف ساعة تقريبا استأذن ذلك الرجل السخيف وخرج.

وما إن أغلق الباب وراءه حتى تصايح عدة أشخاص يتسابقون ويسألونني: ألا تعرف من يكون ذلك الرجل؟! قلت لهم: لا أعرف ولا أريد أن أعرف.

ولكنهم مع ذلك قالوا: إنه السيّاف.

سألتهم باستغراب: السيّاف؟! هل هذا هو لقبه؟!

قالوا: لا ولكنها مهنته، فهو قطاع الرقاب التي يقام عليها الحد الشرعي، وهو عندما قال: إن لك عنقا جميلا، كان يقصد أن عنقك ملائم جدا لضربة بحد السيف الذي لن يجد صعوبة تُذكَر في جزّه بغمضة عين ـ أي أن عنقك (مثالي) من هذه الناحية.

عندها اصفر لوني واحمر، وبدأ جبيني يتفصد بالعرق، وأخذت أمرر أصابعي وكفي على عنقي لا شعوريا، وأقرأ وأتمتم «بالمعوذات».

أي صباح في هذا اليوم الذي تصبحت فيه على وجه ذلك السيّاف الذي لم يلفت نظره من الأعناق في كل المجلس غير عنقي الذي أخذ يتغزل به؟!

ولم أنتبه على نفسي إلا بعد أن لكزني أحدهم وهو يقول لي: اشرب لقد برد شاهيك.

تركت الشاهي باردا كما هو، وتركت المجلس بكل ما فيه، وخرجت دون أن أستأذن، وأنا أردد بصوت مسموع: لا حول ولا قوة إلا بالله.

[email protected]