عرض من سائق عمومي

TT

عندما ذهبت إلى نيويورك أول مرة كانت كلها غارقة في حديث حرب أكتوبر والقضية الفلسطينية. وكان سائقو سيارات التاكسي في أكثريتهم من مهاجري أوروبا الشرقية، يتحدثون لغة إنكليزية مكسرة ومحدودة. وكعادة سائقي التاكسي في كل مكان كانوا دائما يطرحون السؤال: ما هي هويتك؟ وعندما يسمعون الجواب، الذي يتوقعونه في أي حال، كانت تبدأ دائما، ودون أي خطأ أو خلل، محاضرة واحدة: أنتم العرب تملكون مساحات لا نهاية لها من الأرض، فلماذا تستكثرون على الإسرائيليين المساكين هذه القطعة الصغيرة يعيشون عليها بأمان؟

كيف يمكن أن تشرح لسائق تاكسي، محدود الكلمات، قضية في مثل كل هذه المعاني، مسافة الطريق إلى الأمم المتحدة؟ يذكّرني بنيامين نتانياهو بسائقي التاكسي المهاجرين في نيويورك: قاموس محدود ومكسر يريد أن يشرح به قضيتين تاريخيتين: الأولى، أنه مهاجر من بروكلين. والثانية أن أخلاقه العالية تفرض عليه أن يمنح الفلسطينيين دولة ما، رغم ما يملكه أشقاؤهم من أراضٍ.

لذلك يقترح دولة بلا شعب. ولماذا الشعب وعندكم العالم العربي؟ ودولة بلا عاصمة. هل من الضروري أن تكون لكل دولة عاصمة؟ ودولة بلا جيش، نقدم لكم خدمات جيش الدفاع الإسرائيلي التي لا بد أنكم اعتدتم عليها بعد 60 عاما. ودولة بلا مصادر وبلا موارد وبلا مطارات. ولو؟ مطار اللد يرحب بكم؟ ودولة لا يعود لها أهلها من أي مكان، فهل تكبدنا كل تلك الحروب وكل تلك المجازر، من أجل أن يعودوا من جديد؟

اعتاد سائق التاكسي أن يأخذ أجرته وفوقها البقشيش ولكن السيارة تبقى سيارته. وفوق ذلك يتعين عليك أن تتحمل ألفاظه وثقل دمه وسلوك سواقي بروكلين. «العرض» الذي قدمه نتانياهو لنا وللعالم، ليس عرض رئيس دولة بل عرض سائق تاكسي من نيويورك: لديكم كل هذه الأراضي وكل هذه الخيرات وتستكثرون علينا كل فلسطين؟ أما وقاحة.