أم كلثوم والبطيخ ورمضان!

TT

زمان.. زمان جدا. كنا نتناول إفطارنا في استوديوهات الإذاعة. ولا من شاف ولا من دري. فالاستديو غرفة مغلقة لا يراها المستمعون ولا يعرفون بالضبط ما هذا الذي يتناوله المذيعون وضيوفهم في الاستديو.. فالأغنيات مسجلة. وهي تتوالى الواحدة بعد الأخرى.. وبعض الأغنيات طويلة كأغنيات أم كلثوم يستطيع المذيع أن يأكل ويشرب والست أم كلثوم تغني للعشاق والمحبين وتوجع قلوبهم وعقولهم وعلى زمانهم..

وفى إحدى الليالي دعاني الأصدقاء في الإذاعة إلى الإفطار في الاستديو ونسمع أم كلثوم. وكانت رائحة الطعام تملأ الأنوف. وهى رائحة الشواء الساخن. وقالوا لي: بسم الله.

ونظرت ووجدت كل شيء لا أستطيع أن ألمسه: لحوم وكباب وكفتة. ولا يوجد رغيف ولا قطعة جبن.. وأفطروا جميعا.. ومددت يدي إلى البطيخة.. وحاولت أن أقطعها ولم أفعل قبل ذلك من قبل.. وقد جرجرت البطيخة. وقفزت فوق الشريط الذي يذيع أغنية أم كلثوم. وتوقف الشريط. وما هي إلا لحظات حتى انقلبت الدنيا. والتليفون يدق. والمذيع في دورة المياه. وأنا لا أعرف ماذا حدث. لقد سكتت الإذاعة دقائق دون تفسير لذلك. وكانت مأساة حقيقية: غياب المذيع والبطيخة فوق جهاز التسجيل. والدولة بكل أجهزتها تسألك انقلاب.. ثورة.. تخريب؟!

ويبدو أن المذيع أصيب بحالة من التسمم.. وليس واحدا بل أكثر من مذيع. وبحثت أجهزة الأمن عنهم فوجدوا واحدا يتوجع في دورة المياه، أما الثاني فعلى الأرض يتلوى..

ولولا هذا الذي أصابهم لكان ما كان ما لست أذكره.. واعتذرت أنا عن الذي حدث. ولكن أحدا لا يستطيع أن يوجه لي لوما أو اتهاما فقد كنت ضيفا.. وجاء دوري لكي أشرح وأطلب العفو والصفح لأصدقائنا المذيعين..

وسألوني: من الذي أتي بالبطيخة؟

قلت : أنا. والذي قطعها ولم ينتبه إلى خطورة ما فعل.

سؤال آخر: من الذي دعاك إلى الاستديو.

فقلت: لم يدعني أحد. أنا الذي اقتحمت ودخلت وجلست وانتظرت الطعام ولم أجد إلا لحوما. وأنا لا آكل اللحم. وأحمد الله. فقد كانت اللحوم فاسدة. وهذه عقوبة كافية وأرجو ألا يكون هناك عقاب..

ولم يكن عقاب!